+ A
A -
توفي عمدة مقاطعة قرطبة الإسبانية السابق الملقب بـ «الخليفة الأحمر» خوليو أنغويتا في 16 مايو، بسبب أزمة قلبية. قد يبدو رحيل عمدة مقاطعة إسبانية خبراً لا يهمّ القارئ العربي، لكن قصة حياة أنغويتا مليئة بالمواقف المثيرة للجدل، ولعل أهمها تسليمه مفاتيح مسجدٍ تاريخيٍ تحوَّل لدير مسيحي إلى المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي. من هو خوليو أنغويتا؟ كان سياسياً إسبانياً، وعمدة قرطبة بين عامي 1979 و1986، ومنسق حزب اليسار المتحد (IU) بين 1989 و1999، والأمين العام للحزب الشيوعي الإسباني (PCE) من 1988 إلى 1998. بسبب تأثيره واكتساحه في انتخابات مقاطعة قرطبة ودفاعه عن الإرث الإسلامي للمدينة الأندلسية، كان يُلقب بـ «الخليفة الأحمر». هو من مواليد العام 1941، وعمل كأستاذ تاريخ قبل أن يتفرغ للسياسة ثم اعتزالها وتأليف الكتب والمشاركة في الحياة السياسية تحت لواء الحزب اليساري. كان آخر ظهور لأنغويتا (78 عاماً)، في مقطع فيديو قرأ فيه بياناً خلال فترة الحجر الصحي من منزله، دعا فيه إلى حلّ سياسي وبيئي واقتصادي لوباء فيروس كورونا. وقال: «يعتمد الغد في إسبانيا على الكيفية التي تعاملنا بها مع هذا اليوم، وغداً سيعيش أطفالنا وأحفادنا والأجيال القادمة من الإسبان في ضوء ما فعلنا اليوم. إنها مسألة مسؤولية جماعية: الاختيار بين المستقبل من أجل الغالبية العظمى أو الكارثة». المواجهة مع الكنيسة: «أنا عمدتك وأنت لستَ مطراني» كان خوليو أنغويتا يدعم الأقليات وفئات العمال طوال حياته السياسية، وكان حريصاً على أن تحافظ مدينة قرطبة على إرثها الإسلامي الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من تاريخها، إذ خضعت للحكم الأندلسي لـ 526 سنة بين عامي 710 و1236. وبسبب هذا، اضطر أنغويتا إلى مواجهة أساقفة المدينة الذين كانوا دائماً ما يسعون إلى الاستيلاء على الموروثات الدينية حتى بلا صكوك ملكية. من هذه المواقع التاريخية مثلاً دير سانتا كلارا الذي بُني فوق مسجد يعود لسنة 976، والذي سلَّم مفاتيحه إلى الجمعية الإسلامية في العام 1981، وسمح للمسلمين برفع الأذان لأول مرة وأداء صلاة العيد، وذلك بعد عامين من إقرار البرلمان الإسباني لقانون الحريات الدينية عام 1979. وعلل وقتها المبادرة بأنها «حرصاً على تعزيز العلاقات التي تربط قرطبة ببلدان العالم الإسلامي». وكان قد عرض على صديقه آنذاك الإمام علي الكتاني، وهو شيخ ومؤرخ مغاربي مهتم بالأقليات المسلمة، أن يتخذ من الدير مقراً لجمعيته (مسجد القاضي أبي عثمان سابقاً)، علماً أنه مبنى تاريخي مغلق من 100 عام، ويبعد عن جامع قرطبة نحو 800 متر. انتقدت الكنيسة والصحافة الإسبانية خطوة «الخليفة الأحمر»؛ الأمر الذي أدى إلى إلغاء القرار مع تشديد أنغويتا على أن هذا الموقع يعد من الموروثات التاريخية العالمية بحسب اليونيسكو. وفي رسالة ردٍّ قاسية على مطران المدينة الذي انتقد مبادرته، قال أنغويتا: «إسبانيا بلد الحريات الدينية.. لم يعيّنك أحد مطراناً عليَّ، أنا عمدتك وأنت لست مطراني». فتح أبواب قرطبة لغارودي بعد إشهار إسلامه ومن مواقفه اللافتة الأخرى عندما تعرَّض الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي لمقاطعة إعلامية وملاحقة قضائية، بسبب انتقاده مجازر إسرائيل في لبنان عام 1982، استقبله أنغويتا في قرطبة. ويروي غارودي في سيرته الذاتية عن وجوده بالأندلس ما يلي: «إن عمدة قرطبة، خوليو أنغويتا، كان من المؤمنين بمشروعي القائم على إحياء هذا الماضي لإلقاء الضوء على المستقبل، وعرض عليَّ أن نجعل من برج كالاهورا، وهي قلعة على حافة الوادي الكبير مركزاً لمشروعنا». وكان المشروع المقصود هو معهد للحوار بين الثقافات، وعبارة عن متحف سمعي بصري لإحياء ثقافة الأندلس والتركيز على فترات التعايش بين الثقافة المسيحية واليهودية والإسلامية. وكان غارودي أيضاً عضواً في الحزب الشيوعي قبل أن يعتنق الإسلام في عام 1982. وفاة ابنه في العراق والدعوة إلى وقف الحرب ومن اللحظات الفارقة في تاريخه أيضاً، وفاة ابنه الذي كان يقاتل في حرب العراق ضمن القوات الإسبانية، وعندما وصله خبر موته على يد ميليشيات عراقية ما كان منه إلا أن يرد: «فلتسقط الحروب وكل الأوغاد الذين يدعمونها»، لتصبح جملته هذه شعار المناهضين للحرب وقتها والمطالبين بإنهاء الحرب على العراق. وقال وقتها: «الشيء الوحيد الذي يمكنني قوله هو أنني سوف آتي مرة أخرى وأواصل النضال من أجل الجمهورية الثالثة». وكان يقصد بذلك تحويل حكم إسبانيا من ملكية تلت انهيار جمهورية الجنرال فرانكو إلى جمهورية ثالثة لا يمينية ولا يسارية، كما أوضح لاحقاً. لكن ذلك لم يمنع اليمين المتطرف من طرح تساؤلات حول نوع الجمهورية التي كان يحلم بها، متسائلين: «هل هي جمهورية شعبية، أو جمهورية سوفييتية أم جمهورية إسلامية؟». هل أعلن إسلامه؟ لم يشهر أنغويتا إسلامه قط، ولكن في رثائه الذي كتبه ابن الإمام الدكتور حمزة علي الكتاني، جاء ما يؤكد تلك الشائعات التي رافقته طيلة حياته: «اليوم أغمض عينيه أول مسؤول يخدم القضايا الإسلامية في الأندلس بقوة بعد سقوط غرناطة منذ نحو خمسمئة عام، وقد صرَّح لوالدي بأنه مسلم سراً، وبأنه لم يعلن إسلامه، لأن خدمته للمسلمين من موقعه السياسي كغير مسلمٍ أقوى وأفضل من خدمته إذا أعلن إسلامه».
copy short url   نسخ
23/05/2020
787