+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي أستاذ التفسير وعلوم القرآن كلية الشريعة جامعة قطر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الترك هو التّخلية عن الشّيء، قال الرّاغب: ترك الشّيء: رفضه قصداً واختياراً أو قهراً واضطراراً، ومن الأوّل قوله تعالى: (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ)، ومن الثّاني قوله تعالى: (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)، والتّرك في قوله تعالى: (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) أي أبقينا عليه، وفي الحديث الشّريف: «العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة فمن تركها فقد كفر» قال ابن الأثير: قيل: هو لمن تركها جاحداً، وقيل: أراد المنافقين؛ لأنّهم يصلّون رياء ولا سبيل عليهم حينئذ، ولو تركوها في الظّاهر كفروا، وقيل أراد بالتّرك: تركها مع الإقرار بوجوبها أو حتّى يخرج وقتها، ولذلك ذهب أحمد بن حنبل إلى أنّه يكفر بذلك حملاً للحديث على ظاهره، وقال الشّافعيّ: يقتل بتركها ويصلّى عليه ويدفن مع المسلمين.
أمّا ترك الصّلاة: فهو عدم إقامتها عمداً، وأمّا إضاعتها فقد قال ابن مسعود: وليس معنى أضاعوها تركوها بالكلّيّة. ولكن أخّروها عن أوقاتها، وقال سعيد بن المسيّب إمام التّابعين: هو ألا يصلّي الظّهر حتّى يأتي العصر، ولا يصلّي العصر إلى المغرب، ولا يصلّي المغرب إلى العشاء، ولا يصلّي العشاء إلى الفجر، ولا يصلّي الفجر إلى طلوع الشّمس، فمن مات وهو مصرّ على هذه الحالة ولم يتب أوعده الله بغيّ، وهو واد في جهنّم بعيد قعره، شديد عقابه.
أمّا السّهو عن الصّلاة فقد اختلف فيه على أقوال عديدة ذكر منها الإمام الطّبريّ: تأخيرها عن وقتها: روي عن مصعب بن سعد قال: قلت لأبي: أرأيت قول الله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) أهي تركها: قال: لا؛ ولكنّه تأخيرها عن وقتها. وقيل عنى بذلك (بالسّهو) أنّهم يتركونها فلا يصلّونها، وذكر من قال ذلك عن ابن عبّاس في قوله: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) فهم المنافقون. كانوا يراؤون النّاس بصلاتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا وقيل أيضا عن مجاهد في «عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» قال: التّرك لها. ويتهاونون بها ويتغافلون عنها، قال مجاهد قوله تعالى: (عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) قال: لاهون، وعن قتادة ساهُونَ: غافلون. وقال ابن زيد في قوله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) يصلّون وليست الصّلاة من شأنهم، وعن مجاهد ساهُونَ يتهاونون، قال الطّبريّ: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب قوله ساهُونَ: لاهون. يتغافلون عنها وفي اللهو عنها والتشاغل بغيرها تضييعها أحيانا وتضييع وقتها أخرى وإذا كان كذلك صحّ بذلك قول من قال: عنى بذلك ترك وقتها وقول من قال عنى تركها.
وممّا يؤيّد ذلك ما روي عن سعد بن أبي وقّاص قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) قال هم الّذين يؤخّرون الصّلاة عن وقتها، وما روي عن أبي برزة الأسلميّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لمّا نزلت هذه الآية» (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) «هذا خير لكم من أن لو أعطي كلّ رجل منكم مثل جميع الدّنيا هو الّذي إن صلّى لم يرج خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربّه».
أماحكم ترك الصلاة: قال ابن القيّم رحمه الله: «لا يختلف المسلمون أنّ ترك الصّلاة المفروضة عمدا من أعظم الذّنوب وأكبر الكبائر، وأنّ إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النّفس، وأخذ الأموال، ومن إثم الزّنى والسّرقة وشرب الخمر، وأنّه متعرّض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدّنيا والآخرة. وقد كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه- يكتب إلى الآفاق، أنّ أهمّ أموركم عندي الصّلاة، فمن حفظها، حفظ دينه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة، والصّلاة أوّل فروض الإسلام، وهي آخر ما يفقد من الدّين، فهي أوّل الإسلام وآخره، فإذا ذهب أوّله وآخره فقد ذهب جميعه، وكلّ شيء ذهب أوّله وآخره فقد ذهب جميعه»، وقد عدّ ابن حجر تعمّد ترك الصّلاة من الكبائر، وذكر قول الله تعالى: (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) ونقل بعضهم أنّه صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ تارك الصّلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ تارك الصّلاة عمدا من غير عذر حتّى يذهب وقتها كافر، وقال أيّوب: ترك الصّلاة كفر لا يختلف فيه.
فمن مضار ترك الصلاة: استحقاق سخط الله وغضبه، وحلول النّقم وذهاب النّعم، دليل على قلّة توفيق المرء وسوء عاقبته، فهو طريق يؤدّي إلى الكفر والخروج من الملّة، يورث الهوان والذّلّ في الدّنيا والآخرة والبعد عن الله والبغض من النّاس.
copy short url   نسخ
19/05/2020
10257