+ A
A -
كتب محمد حربي
ربما يخطئ من يظن أن قيام اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بقصف اتفاق الصخيرات، لعام 2015، كخارطة طريق، واعتماد حكومة وحدة وطنية ليبية، ثم قفزه للأمام كخطوة استباقية لقطع الطريق على مبادرة رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح لحل سياسي لأزمة ليبيا، هو بمعزل عما جرى من سيناريوهات مماثلة في اليمن، وما يراد له في سوريا، وهي أجندات خارجية لتمزيق الدول العربية يتم تنفيذها بأيادٍ عربية، بدأ التخطيط لها من عام 1982، من خلال وثيقة كيفونيم، طرحها عوديد ينون، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، وترسم استراتيجية إسرائيل للمنطقة، ثم تلقفتها حاضنات مراكز أبحاث ودراسات، ودوائر صهيونية لصناعة القرار في أميركا، حتى وصلت إلى طور نظرية «الفوضى الخلاقة»، التي بشرت بها كونداليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية في عام 2005..
وعندما هب نسيم الربيع العربي، وانفجر بركان الغضب الشعبي رافضا للظلم والاستبداد، ومتطلعا للحرية، والعدالة الاجتماعية، والعيش بكرامة إنسانية، تلاقت مصالح أصحاب هذه النظريات، مع تشبث الأنظمة السابقة والدولة العميقة بالبقاء، والتحالف لإجهاض أحلام الشارع العربي، ببث الرعب والخوف في النفوس، عبر فرق مرتزقة، وكيانات مسلحة، وعمليات تمزيق وتفتيت، بل وتقسيم المقسم منذ «سايكس بيكو»، حتى وصلنا إلى مبادرة «صفقة القرن»، التي طرحها الرئيس دونالد ترامب، كبوابة ملكية نحو حلم إسرائيل الكبرى، ويبدأ بتحويلها من عدو مستعمر مغتصب للأراضي فلسطين والعرب، إلى شريك وحليف إستراتيجي..
الوطن استطلعت آراء عدد من الأكاديميين، حول رؤيتهم لهذه القضية:
من جانبه حذر الدكتور عبدالحسين شعبان، المفكر العراقي، نائب رئيس جامعة، من المخاطر التي تتهدد الدول العربية، بسبب عوامل التغلغل الخارجي، ومحاولات زرع الفتن، والانقسامات، خاصة في ظل مخططات التقسيم، وما بلوره مشروع عوديد ينون مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي آريل شارون، في «وثيقة كيفونيم»، مطلع العقد التاسع من القرن الماضي، وعلى وجه التحديد في عام 1982، بعنوان «استراتيجية إسرائيل»، ونظر من خلالها للعالم العربي باعتباره «برجا من ورق»، ينبغي الحيلولة دون حدوث أي تقارب بين الدول العربية وبعضها البعض، ولا حتى أي وحدة وطنية داخل البلد الواحد، مع تسريع الخطوات في المشروع الإسرائيلي الاستيطاني الاحتلالي التوسعي الذي تقرر في مؤتمر بال- بازل - سويسرا) 1897 لتأسيس الدولة اليهودية وفقاً لعرّاب الحركة الصهيونية وكتابه «دولة اليهود» ثيودور هيرتزل 1896، وكانت الخطوة الأولى على هذا الصعيد اتفاقية سايكس- بيكو لتقسيم البلاد العربية 1916.
مخططات التقسيم
وأضاف أن مخططات التقسيم تجددت بعد احتلال العراق، دون أن تدرك النخب السياسية الحاكمة، وغير الحاكمة أحيانا، حجم مخاطر النهج السياسي والاجتماعي الذي سارت عليه، وما ترتب عليه من عوامل الفرقة الداخلية، وتشجيع الاحتراب الديني والطائفي والإثني، ولاسيما فيما يتعلق بفلسطين، والقيام بعملية «ترانسفير فلسطيني جديد»، ليحلّ محلّهم مستوطنون يأتون من أصقاع الدنيا، ويحرمون أصحاب الأرض الحقيقيين والتاريخيين من «حق العودة» وليمنعوا من رؤية «القدس» إلى الأبد، طالما قررت الكنيست وبدعم من واشنطن أنها «عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل».
الثورة المضادة
من جانبه يرى الدكتور محجوب الزويري الأستاذ بجامعة قطر، ومدير مركز دراسات الخليج، المشهد من زاوية ما يجري في ليبيا، اليمن، وكذلك في سوريا، واعتبار كل ذلك يصب في سياق واحد، وهو الثورة المضادة، وإحكام ما يطلقون عليه تسمية الإفشال التام لإجهاض أي مشاريع تغيير، وبالطبع كان أهمها في السنوات العشر الماضية، كان مشروع الربيع العربي، والتغيير الذي خرجت تنادي وتطالب به الشعوب العربية في كثير من الدول.
وقال إن الثورة المضادة عملت على أكثر من استراتيجية، بداية من التفتيت، الوأد، الشيطنة، وكان هذا واضحا في شيطنة الخصوم، ثم شيطنة الدول، ثم تقسيم المجتمع من الداخل، مذهبيا، طائفيا، قبائيليا، والسيطرة على الموارد، شراء الذمم، إلخ، موضحا أن ما يحدث في تفتيت لدولة ليبيا، ومن قبله اليمن، هو جزء من مشاريع بدأت محليا.
وأوضح أنه إذا كان مشروع حفتر الليبي، أو الحوثيين اليمني، يبدو محليا، إلا أن نجاحه ليس بمعزل عن البعد الاقليمي، وبعض الدعم الدولي، ولذلك لا يمكن فهم هذه التحركات الا في سياق الثورة المضادة، والوقوع على القائم قبل عام 2011، مشيرا إلى أن كل ما يحدث الآن، هو محاولة عنيدة من الثورة المضادة للإبقاء على الوضع لما كان عليه قبل 2011، أو محاولة إعادته لذلك، أو على الاقل إدامته عبر وجود أداة أو نخبة سياسية بنفس المواصفات التي كانت عليه قبل 2011، من الفساد السياسي والاقتصادي، وبلا حريات واستبداد تام، يمكن السيطرة عليها، وهذا الأمر نشاهد تفاصيله في الحالة الليبية، وأن الذي سيتمكن من السيطرة على المشهد، وتنصيب نخبة سياسية معينة، تكون عينه على النفط الليبي، مما يعني أهمية البعد الاقتصادي في هذه الأزمة.
وأشار إلى أن مخطط تفتيت الدول العربية، ذلك لا ينفصل عن القضية الكبرى والأساسية للعرب، وهي قضية فلسطين، ومحاولات أسرلة المنطقة، وجعلها بلا هوية، والدفع بقبول إسرائيل، مما يعني أن الثورة المضادة عملت وتعمل للمشروع الإسرائيلي، وتستفيد من التقنية والخبرات الاسرائيلية.
وأضاف أن الثورة المضادة مازالت مستمرة، وستبقى إلى ان تحدثت تحالفات داخلية، يكون فيها النسيج الاجتماعي مكتمل، وبلورة هوية وطنية فيها قدر من الحريات، والاتفاق على فكرة وطن واحد يمثل الجميع وبالتالي تفويت الفرصة على الأيادي الخارجية من التدخل في صياغة مستقبل تلك الشعوب التي رغبت في التغيير بطريقة سلمية وحضارية.
السرطان الاستيطاني
من جانبه أكد الدكتور إيهاب محارمة، الباحث بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وسكرتير تحرير مجلة سياسات عربية أن الغالبية من الدول العربية، تعاني من التفتت، والتشرذم، والتفكك، وبطبيعة الحال، فإن ذلك يرجع إلى أسباب عديدة، من بينها الصراعات الداخلية بين مكونات الدولة الوطنية، والتي هي نتاج طبيعي لحالة فشل بعض الأنظمة السياسية بالعالم العربي، منذ حصولها على استقلالها لبناء نظام سياسي يحقق المواطنة والديمقراطية، هذا من جانب.
من ناحية أخرى، فإنه نظرا لوجود سرطان استعماري، استيطاني بالمنطقة العربية، وهو بطبيعة الحال يسعى إلى تمزيق بلدان العرب لإضعافها، وتشتيت قوتها، أضف إلى ذلك التدخلات الخارجية في المنطقة، التي بلغت ذروتها مع الغزو الأميركي للعراق، وانهيار النظام الإقليمي العربي، وكلها كان لها دور في تغذية التفتت، والتمزق داخل الدول العربية.
وأوضح أهمية الأخذ بعين الاعتبار مسؤولية بعض الدول العربية عن حالة تفتت البعض الآخر، والتي تؤجج نار الحروب الأهلية، كما هو الحال في ليبيا واليمن، والمستفيد الأكبر من حالة التفكك والتشرذم، وانشغال النظام العربي في صراعات، وهدر الطاقات، هو المشروع الاستيطاني الإستعماري.
وأشار إلى أن إسرائيل تستفيد من حالة تفتيت وتمزيق الدول العربية، في تقوية مشروعها الاستيطاني الاستعماري، القائم بالأساس على طرد الفلسطينيين وتهجيرهم من أرضهم والسيطرة عليها، لاسيما مع التحركات الإسرائيلية لضم أراضٍ من الضفة االغربية، مع ترك المناطق الأكثر اكتظاظا بالتجمع السكاني الفلسطيني، بحيث تتركهم في تجمعات معزولة صغيرة غير صالحة للحياة. بينما تلتهم الأجزاء التي تمكنها من الحفاظ على الهوية اليهودية للدولة.
وأضاف أن إسرائيل تستغل انشغال الدول العربية، وتسعى إلى تنفيذ مخططاتها في تهجير الفلسطينيين، وشرعنة حلمها، وحلم الاستعمار الإسرائيلي بإقامة دولة يهودية لجماعة واحدة فقط، وفي سبيل تحقيق ذلك ينبغي أن تظل حالة التمزق والتفتت العربي، عبر إشعال الحروب الداخلية، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، والدينية.
هواجس إسرائيلية
من جانبه أكد الدكتور حسام عبدالمعطي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر، أن السياسة الإسرائيلية ممنهجة في خطين مهمين، أحدهما تقديم نفسها للعالم كنموذج فريد ووحيد للديمقراطية بالمنطقة، ثم الهاجس الأمني الذي يلح عليها على مدى تاريخها.
وقال إن إسرائيل تحاول تقديم نفسها للعالم على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط كلها، والنموذج الغربي الوحيد الذي يجب أن يحتذى، وعلى هذا الأساس، فإنها تسعى لمحاربة وإجهاض وإفشال أي أفكار لنظم ديمقراطية بالعالم العربي، من منطلق عدم قدرة العرب على فهم النظام الغربي الديمقراطي، لافتا إلى أن هذا يظهر بوضوح في موضوع حفتر، ومحاربتها للنظم الديمقراطية في شمال إفريقيا كلها، أيا كانت البلد.
وأوضح أنه لا يمكن إغفال الهاجس الأمني الإسرائيلي، ولذلك تسعى أن يكون لها سيطرة على المشهد اليمني وخاصة باب المندب، لاسيما في ضوء تجربتها التاريخية، عندما حصلت في الماضي خلال 1967، على الحق القانوني في الخروج من ميناء إيلات عبر خليج العقبة، ومنه عبر تيران، لكنها وجدت مواجهة من القوات المصرية التي أرسلها جمال عبدالناصر إلى باب المندب لإغلاقه في وجه أي سفن إسرائيلية.
حفتر الأميركي
من جانبه أكد الدكتور محمد هنيد، الأستاذ بجامعة السوربون، ومستشار الرئيس التونس الأسبق، أنه إذا كان هناك من يرى في مقتضى التقسيم، أنه يدخل في إطار مخطط تقسيمي قامت بالتبشير له وزير الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس، أو تلك التي تخطها مراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية في إسرائيل أو غيرها، فإنه من الصعب الإقرار بذلك بشكل عام، لأن ثورات الربيع العربي التي انطلقت منذ عام 2010، كانت ثورات تلقائية، نتيجة تراكمات من الظلم وإستبداد الأنظمة، مما يجعل محاولة ربطها باستراتيجية معينة، كنظرية «الفوضى الخلاقة» أو غيرها من الاستراتيجيات، وربما من الممكن، اعتباره قد يدخل في إطار نظرية المؤامرة، ولكنه ليس موضوعوعي، أو دقيق، أو له دلالته على أرض الواقع.
وقال إنه لا يعتقد أن الإدارة الأميركية قررت في جزء من نظرية الفوضى، قضية الربيع العربي، ولكن من ناحية أخرى، يمكن القول إن هذه النظريات استفادت من حالة الفوضى بعد الربيع العربي، أي أنها ركبت موجة الربيع، دون أن تكون هي السبب المباشر فيها، إلى غير ذلك.
وأوضح أن المشروع في اليمن، وكذلك ليبيا، هو أميركي بالأساس، بأعتبار أنه كما يعلم الجميع فإن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، هو رجل الولايات المتحدة الأميركية، ويحمل الجنسية الأميركية، وجاء من أجل هذا المشروع، على الأقل في دوره النهائي، لأنه الآن بصدد الانهزام، ولذلك قد يرد مشروع التقسيم، ولكنه غير وارد على الأرض، لأسباب عديدة، تتعلق بتاريخ ليبيا، والتركيبة القبلية، والجغرافية، بالمناخ الإقليمي، حيث إن مسألة تقسيم ليبيا قد تؤدي إلى تقسيم المقسم في «سايكس بيكو»، إذا هناك كثيرا من المعطيات التي تجعل مسألة تقسيم ليبيا مسألة ثانوية.
وأشار إلى أنه فيما يخص الشأن اليمني، فهذا شيء ممكن، حيث كان هناك تقسيم سابق، ومشاريع أخرى ممكن تركب عليه، لافتا إلى أنه قد يصعب الجمع بين المسارين بشكل متطابق على الاقل بين اليمن وليبيا، من ناحية، ونظرية الفوضى الخلاقة من ناحية أخرى، مشددا على أن النقطة الأساسية، تكمن في أن الولايات المتحدة الأميركية القوة الفاعلة في المنطقة، ليست هي المحدد الأساسي لعملية التقسيم، أو الفوضى أو الانقلابات، أو الحروب الأهلية أو غير ذلك، وإنما هناك فواعل أخرى داخل المنطقة العربية تسهم في ذلك، والذي برز في حجم الدور الإماراتي المتغلغل بأجنداته الخطيرة في اليمن، ثم الدور التخريبي في ليبيا، وكذلك في سوريا، إلى غير ذلك.
وأضاف، أنه لم يكن ممكنا الانقلاب على ثورات الربيع العربي، دون وجود أدوات داخل النظام الرسمي العربي، وتواطؤ بعض الدول العربية في جعل هذه المشاريع، التي منها الصهيونية، التي تدار بأيادي المتآمرين، مما يجعل كلا من مشروع تقسيم ليبيا، ومن قبله اليمن، هو مشروع تخطط له قوى إقليمية كإسرائيل، لكن يتم بأدوات عربية، لافتا إلى أنه قد يرى البعض في نظرية المؤامرة، كمنوال هامشي في أحداث المنطقة، وهذا غير صحيح، لأن «سايكس بيكو»، وإحتلال إسرائيل، وغزو العراق، لم تكن صدفة، بل كانت مخططات مسبقة
وشدد على أن مرور مائة عام على المنطقة بعد سايكس بيكو، يجعل تحديث الخرائط شيء ممكن، لذا تدخل معطيات جديدة على المنطقة، تخص بصفة أساسية القوى المعادية للأمة، ومعها أطماع إقليمية، بل ومن بعض الدول العربية، كما هي حالى الإمارات في السعي للسيطرة على المعابر البحرية، سواء من المتوسط، كما يجري في ليبيا، ومحاولات في تونس، كما حدث في اليمن.
لافتا إلى أن مثل هذه المخططات في بث الفوضى وتدمير المنطقة، لن يكتب لها النجاح، هي ستؤدي لتأخير مكاسب التغيير العربي، لكنها لن تملك إنجازها، لأنها لا تملك لا حاضنة شعبية، ولا إقليمية أو دولية لمواصلة ذلك، وليس انخفاض أسعار النفط، وكذلك انتشار الوباء سيؤدي إلى حالة الانتفاء والتفات الدول بهمومها الداخلية والنظر لهمومها الشعبية، بدلا من العبث في مغامرات هنا وهناك، قد لا تؤدي إلى نتائج مأمولة.
copy short url   نسخ
14/05/2020
3700