+ A
A -
حلمي الأسمر
كل دولة تنتقل بين خمسة أطوار: الظفر، والانفراد بالمجد، ثم الفراغ والدعة، ثم طور القنوع والمسالمة، ثم الإسراف والتبذير. هكذا تحدّث ابن خلدون في مقدمته الشهيرة عن نشوء الدول وانتهائها، وهو يربط الأطوار الخمسة بثلاثة أجيال: الأول يقوم بعملية البناء والعناية، والثاني يسير على خطا الأول من التقليد، أما الجيل الأخير فيمكن تسميته الجيل الهادم، «فالدولة لها أعمار طبيعية كما الأشخاص»، فبعد البناء والعرق في زمن الجيل الأول، تتحوّل الدولة إلى الاستقرار والهدوء على يد الجيل الثاني، وتبدأ المنشآت الحضارية والعمرانية بالبزوغ، لكن في هذه المرحلة تنزلق الدولة إلى الاستبداد وحكم الفرد.وحسب ابن خلدون، فإن الجيل الأخير، أو الثالث الذي تسقط في عهده الدول وتنهار الحضارات، هو جيل النخبة الحاكمة التي تحرص، في سلوكها السياسي والأخلاقي، على الطمع والترف.
ومن غريب الأحوال أن نجد توظيفا فريدا للنظرية الخلدونية لدى كاتبين إسرائيليين، نشرا مقالة في صحيفة معاريف العبرية يسقطان فيه النظرية (ربما مصادفة) على واقع «إسرائيل» ويتحدثان بما يشبه النبوءة عن مستقبل كيانهم! هما مئير بن شاحر واللواء احتياط النائب عوزي دايان، والمقال بعنوان: «في العقد الثامن». يستهلانه بأن دولا كثيرة في العقد الثامن من حياتها شهدت عهدا محملا بالمخاطر. الدولتان اللتان كانتا لشعب إسرائيل وصلتا إلى نهايتيهما في العقد الثامن، المملكة الموحدة لداود وسليمان انشقت بعد نحو 70 سنة ومملكة الحشمونائيين تفككت بعد نحو 80 سنة. في الحالتين، فقد الشعب اليهودي السيادة، ليس بسبب عدو خارجي أو أزمة اقتصادية، بل لأن قوى التفكك والتمزق تغلبت على الاستعداد للحفاظ على ما هو موجود. في العصر الجديد، يكفي أن نذكر الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، تفكك الاتحاد السوفياتي والربيع العربي. يدور الحديث عن دول مختلفة، ولكن إشارة التحذير واضحة، العقد الثامن من شأنه أن يكون فتاكا.
ويبدو أن أزمة فيروس كورونا «أنضجت» نظرية «العقد الثامن»، فقد زحف بهدوء تام وحش كورونا، كما يقولان، فحتى قبل نحو شهر، كان يمكن، على الرغم من أزمة العقد الثامن، الأمل بيقين أن الزمن والديمقراطية سيفعلان فعلهما والدولة والمجتمع سينجحان في التغلب على الأزمة السياسية عبر الحسم في الانتخابات.
copy short url   نسخ
14/05/2020
997