+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إن القرآن مستودع للعلوم والمعارف، والتدبر مفتاحه، وبه يستنتج كل خير ويزداد الإيمان في القلب وبه يعرف الطريق الموصل إليه، وكلما ازدادا العبد تأملاً فيه ازداد علماً وعملاً وبصيرة، لذلك أمر الله بذلك وحث عليه، فالمتوكّل على الله هو الّذي علم أنّ الله كافل رزقه وأمره فيركن إليه وحده، ولا يتوكّل على غيره، ومن أسماء الله تعالى الوكيل وهو القيّم الكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته أنّه يستقلّ بأمر الموكول إليه، وقد ورد لفظ الوكيل في القرآن الكريم مرّات عديدة وذكر فيه المفسّرون أقوالا منها: حفيظا لكم، كفيلا بأموركم، شريكا وقيل غير ذلك.
قال الشّنقيطيّ في أضوائه: المعاني كلّها متقاربة، ومرجعها إلى شيء واحد هو أنّ الوكيل: من يتوكّل عليه، فتفوّض الأمور إليه، ليأتي بالخير ويدفع الشّرّ. وهذا لا يصحّ إلّا لله وحده جلّ وعلا. ولهذا حذّر من اتّخاذ وكيل دونه لأنّه لا نافع ولا ضارّ ولا كافي إلّا هو وحده جلّ وعلا، عليه توكّلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل. ومن أسماء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: المتوكّل. كما في الحديث: «... وسمّيتك المتوكّل» وإنّما قيل له ذلك صلّى الله عليه وسلّم لقناعته باليسير والصّبر على ما كان يكره.
وقال ابن قيّم الجوزيّة: التّوكّل من أعظم الأسباب الّتي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه. فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التّوكّل. ولكن من تمام التّوكّل: عدم الرّكون إلى الأسباب. وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها. فالأسباب محلّ حكمة الله وأمره ونهيه. والتّوكّل متعلّق بربوبيّته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبوديّة الأسباب إلّا على ساق التّوكّل ولا يقوم ساق التّوكّل إلّا على قدم العبوديّة.
والثّقة: سواد عين التّوكّل، ونقطة دائرة التّفويض. وذكر من أمثلة ذلك ما جاء في القرآن الكريم عن أمّ موسى (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) فإنّ فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى، إذ لولا كمال ثقتها بربّها لما ألقت بولدها في تيّار الماء، والمراد أنّ الثّقة خلاصة التّوكّل ولبّه، كما أنّ سواد العين أشرف ما فيها، أمّا العلاقة بين الثّقة والتّفويض فتتلخّص في أنّ الثّقة هي الّتي يدور عليها التّفويض، وكثير من النّاس يفسّر التّوكّل بالثّقة.
إنّ التّوكّل على الله عزّ وجلّ مطلوب في كلّ شؤون الحياة، بيد أنّ هناك مواطن كثيرة ورد فيها الحضّ على التّوكّل والأمر به للرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين جميعاً.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
10/04/2020
778