+ A
A -
عبدالله رضوان كاتب تركي
«يا أيها السلطان العظيم، لقد افترينا عليك دون حياء»
كانت هذه كلمات د. رضا توفيق وهو يصف فخ الخديعة الذي وقعوا فيه عندما هاجموا رجلًا يعتبر أسطورة من أساطير الساسة والوفاء لأمته، فمن يكون ذلك الرجل الذي نالته سهام التشويه حتى أثخنته بجراح الافتراء وصيروا منه إمامًا للدكتاتورية والظلم؟
من ذا الذي راعه أمواج الحقد التي تقطرمن يراع خصومه وهي تضرب شواطئ سمعته فكتب يقول (والدم يقطر من قلم أعدائي)...
نعم لقد صوبت نحوه كل مجانيق الحقد فجعلت ترمي أسوار سيرته بكرات لهب الافتراء وما كان ذنبه إلا أنه أحب أمته والإسلام، كان ذنبه أنه حاول أن ينتشل ما أسماه الغرب بالرجل المريض «الدولة العثمانية» من الإفلاس والتبعية، وأن يخلصها من أنياب المطامع الأور,بية في تقاسم ما يدعونها الفريسة العثمانية، فهل عرفتم من هو؟ إنه السلطان عبدالحميد الثاني يا طلاب الحقيقة... نعم إنه السلطان الذي تولى السلطة في 31/أغسطس/1875 وبقي يذود عن حماها أكثر من ثلاثين سنة، وقد قدر له أن يرث عرش الدولة العثمانية بعدما تراكمت عليها الديون حتى بلغت ما يقارب ثلاث مائة مليون ليرة، نعم... دولة متهالكة، وعرش مثقل بالديون والأعباء والفتن والمؤامرات ومن حوله تموج الفتن كقطع الليل المظلم، فالجمعيات التي أنشئت تحت عناوين الحرية كانت مخترقة حتى النخاع من اليهود والأوربيين، وحركات التمرد ضد الدولة العثمانية التي أخذت تعلن عصيانها تنذر بزلزال سياسي... ووسط كل هذه المخاطر كان على السلطان عبدالحميد أن يأخذ سفينة دولته إلى شاطئ الأمان، ولعل سائلًا يسأل لماذا شوهت سيرة هذا الرجل؟ ولماذا تعرضت سيرة حياته إلى فيضان من الكذب والتشويه، والجواب الشافي لهذا التساؤل سنعرفه من خلال أمرين:
أولهما: لأنه كان عملاقًا في زمن كثر فيه الأقزام.. كان سلطانًا حقًّا ويليق بالخلافة، أرادوه خليفة مشوهًا تابعًا لأوروبا ولكنه أبى ورفض أن يكون ألعوبة بأيديهم، وأن يتلقى التعليمات من السفراء الأوروبيين، لذلك وجدنا السفير البلغاري قد حذر منه كل الدول الأوربية ودعاهم للانقضاض عليه لأنه من طراز السلطان الفاتح، نعم فالذاكرة الأوربية لم تنس بعد جده السلطان محمد الفاتح الذي دق بجيوشه أبواب أوروبا...
فكيف لا يؤرقهم هذا الرجل وقد صنع غواصة وما كان في إنكلترا كلها غواصة واحدة، وكيف لا يؤرقهم وهو يبعث نسغ الحضارة في جسد أمته ودولته. أليس هو من افتتح جامعة إسطنبول لينير سماء الأمة بالعلم والمعارف وهم من أرادوا لها أن تعيش في دياجير الظلام... كان الصراخ على قدر الألم الذي أحدثه في نفوسهم، وكيف لا؟ والمدنية تتسلل إلى أجزاء دولته، لقد أحدث ثورة على كل الأصعدة، وأكبر مثال على ذلك الخط الحديدي للقطار الذي يصل الشام بالمدينة المنورة، فبعدما كانت تستغرق رحلة قوافل الحج والجيش أكثر من أربعين يومًا، تناقصت لتصبح أربعة أيام فقط!
إنه شعاع الحضارة الذي ينسابُ رقراقًا من طربوش السلطان عبدالحميد...
إنها مصابيح المعرفة التي أخذت تتدفق في إسطنبول، ولكن ما أقض مضاجع الأعداء وجعلهم يستفزون كل شياطين الأرض ضد السلطان المظلوم تلك التصريحات التي كان يدلي بها سلطاننا عبدالحميد، كانوا يصغون السمع إليه بقلق بالغ، وهو يقول: (إن القوة التي ستجعلنا واقفين على أقدامنا هي الإسلام). ويقول: (يجب تقوية روابطنا ببقية المسلمين في كل مكان، يجب أن نقترب من بعضنا البعض أكثر وأكثر، فلا أمل في المستقبل إلا بهذه الوحدة).
وتتصاعد لهجة السلطان في دعوته لوحدة الأمة الإسلامية، فيطرح شعار (الجامعة الإسلامية) لتدعم أواصر الأخوة بين المسلمين. تلك الدعوة التي لاقت الترحاب من كافة أطياف الشعب المسلم في الدنيا حتى أن المفكر جمال الدين الأفغاني أعجب بتلك الدعوة وتحمس لها وجعلته يقول في السلطان عبدالحميد (إن السلطان عبدالحميد لو وزن مع أربعة نوابغ من نوابغ رجال العصر لرجحهم ذكاء ودهاء وسياسة).
نعم هذا هو عبدالحميد الذي جاء في قيظ الضعف والهوان فأحال عطش ضعف الدولة العثمانية إلى قوة.
{ (يتبع)
copy short url   نسخ
10/04/2020
1462