+ A
A -
منى بابتي
كانت مجرد عبارة تدريبية استخدمتها محاولة التسرب برقة إلى قلوب المتدربين، كي أقنعهم بأهمية التعاون والتآزر والاتحاد فيما بيننا لمواجهة هذا الوباء.
لقد كنت أحاول بعفوية أن اخبرهم همسًا أننا نشبه ألف باء الأبجدية، كل منا يشبه حرفًا، وله نغمة مختلفة، وإن أحسنا التمازج مع معنا بأصواتنا سننتج أجمل العبارت، وربطت أصوات الحروف بأدورانا، وربطت تمازجنا بتعاوننا، لأخبرهم «أننا معًا، لو قام كل إنسان بدوره، سنكون بخير في مواجهة الكورونا».
ولكن صديقتي الأسترالية «هدى» من أصل لبناني، سرقت حروفي ونغماتي، وحولت ألف باء الأبجدية في تدريبي إلى ألف باء الحياة، فانطلقت صديقتي مع مجموعة من العائلات اللبنانية الأصل إلى إطلاق حملة «ألف باء الحياة» في مواجهة كورونا، وعلى الرغم من بساطة الفكرة، وقلة الموارد التي انطلقوا بها، إلا أنهم انطلقوا وبثوا نغمات حروفهم بكل محبة، فتمازجت نغماتهم أدوارًا، وأطلقوا نغمات جديدة ملؤها الأمل في مواجهة «وباء الكورونا».. توزعوا الأدوار، وقسموا أنفسهم لمجموعات، وتولت الحروف لعبة المواجهة، قبلوا ان ينضم لهم كل من يرغب بالمساندة، فكان فريق الألف في الخطوط الامامية يفيضون شباباً وإرادة، يتولون أصعب المهام، وكان فريق النون في خط المواجهة الصحية، وحدث ولا حرج عن كل الحروف التي تمازجت لتعمل معًا في مواجهة الكورونا، وتجمعت الأطفال في فريق الطاء ليضيفوا إلى الحملة مزيدًا من التكامل، ولم يلغوا أبدا دور فريق حرف الهاء الذي انضم اليه أصحاب العمر الطويل من الخبرات والمهارات، لأن هذا الجزء الهام من المجتمع تمكن من إدارة المشاعر المحبطة بالنصح والإرشاد، كلهم عملوا وسعوا في أن ينتجوا بتضامنهم عبارة مختلفة: «لن تنتصر علينا الكورونا.. وسنكون بخير».
وعندما هاتفتني صديقة العمر البعيدة عن العين والقابعة في القلب، فتحت مكبر الصوت بداية، وسمعتها تقول:«هذه صديقتي.. صاحبة عبارة ألف باء الحياة»، ومن ثم سمعت أصواتا تقول مكررة ومرددة «شكراً، ألف باء الحياة، فكرة ممتازة»، ثم تابعت صديقتي قائلة: «لقد كانت عبارة سرقتها منك وأنت تدربيننا لنواجه هذا الخوف القابع في داخلنا، ولكنك دون أن تدري جعلتينا نؤمن أننا باتحادنا سننجح معًا، وأننا معًا نتكامل، وليس هناك من لا يستطيع أن يقدم شيئاً، إن كان حقًا بدرك ما معنى أن تكون إنساناً، أحبك صديقتي، وأتمنى أن أراك قريبًا، لو نجحت نغمات حروفنا في أن تبقينا على قيد الحياة».
وعدت إلى غرفتي، مسحت بكفي دموع عيوني التي تساقطت مع كلمات صديقتي، فشعرت بشوق يدي إلى وجهي، وأدركت أن الاشتياق في زمن الكورونا إلى وجوهنا، إلى أحبابنا، إلى عاداتنا القديمة، إلى حماقاتنا اليومية، بات موتاً صامتا من النوع الفاخر ونحن على قيد الحياة، فنفضت غبار شعوري المرهق، وأمسكت جوالي ثم كتبت لصديقتي: «فلنستمر كلنا كألف باء الحياة، لن تنتصر علينا الكورونا، معاً سنكون بخير».
كاتبة لبنانية
copy short url   نسخ
04/04/2020
316