+ A
A -
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تعظيماً وإجلالاً لكلام لله تعالى، فقد كان يقوم بالقرآن حتى تورمت قدماه، حباً له ولمن أنزله، يتلوه في غسق الدجى، ويناجي به الله، ويبتهل إليه، واجداً المتعة كلها مع كتاب الله، والسعادة في كلماته العطرة، فلا يكاد يشبع منها أو يمل، بل تغريه القراءة منه بالمزيد فما يشعر إلا والفجر قد دهمه.
ففي قوله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي: اهربوا أيّها النّاس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به واتّباع أمره والعمل بطاعته. وذكر عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قوله في هذه الآية: فرّوا إلى الله بالتّوبة من ذنوبكم، وروي أيضا: فرّوا منه إليه واعملوا بطاعته، وقال بعضهم: فرّوا من طاعة الشّيطان إلى طاعة الرّحمن، وقيل: فرّوا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، وقيل: فرّوا إلى ما سبق لكم من الله، ولا تعتمدوا على حركاتكم.
نستخلص من هذه كله أنّ الفرار إلى الله يعني: أن يفزع الإنسان ويهرب من عقاب الله ومن الشّيطان والمعاصي والجهل وكلّ ما عدا الله إلى طاعة الرّحمن والدّخول في الإيمان.
قال ابن القيّم رحمه الله: من منازل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) منزلة الفرار: قال الله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) وحقيقة الفرار: الهرب من شيء إلى شيء، وهو نوعان: فرار السّعداء، وفرار الأشقياء. ففرار السّعداء: الفرار إلى الله- عزّ وجلّ- وفرار الأشقياء الفرار منه لا إليه. وأمّا الفرار منه إليه: ففرار أوليائه.
فمن فوائد الفرار إلى الله رضوان الله سبحانه وتعالى والفوز بالجنّة والنّجاة من النّار، وذلك ب ترك المعاصي والبعد عن الشّبهات وطهارة القلوب وصفاء النّفس حبّ النّاس والعطف عليهم يشعر بالسّعادة والفرح دائما،
والبعد عن الدّنيا وعدم الانشغال بمباهجها ومأثرها.
وكلّما كان العبد حسن الظّنّ بالله، حسن الرّجاء له، صادق التّوكّل عليه، فإنّ الله لا يخيّب أمله فيه ألبتّة، فإنّه سبحانه لا يخيّب أمل آمل، ولا يضيّع عمل عامل. وعبّر عن الثّقة وحسن الظّنّ بالسّعة، فإنّه لا أشرح للصّدر، ولا أوسع له- بعد الإيمان- من ثقته بالله ورجائه له وحسن ظنّه به.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
02/04/2020
2319