+ A
A -
وفقًا لجمعية الطب النفسي الأميركية، يشكل اضطراب طيف التوحد، وهو اضطراب نمو عصبي يستمر مدى الحياة، ما نسبته واحد في المائة من سكان العالم.
غالبًا ما يواجه ذوو التوحد صعوبات في التواصل والتفاعل اجتماعيًا، وغالبًا ما يُظهرون أنماطًا سلوكية متكررة واهتمامات محددة. وقد أظهرت الأبحاث أن الصحة النفسية للآباء والأمهات يمكن أن تؤثر على طريقة تفاعلهم مع أطفالهم، مثل نمو الطفل اجتماعيًا وعاطفيًا ولغويًا ومعرفيًا.
وركزت قطر بشكل كبير على تقديم خدمات العلاج وإعادة التأهيل لذوي، بما في ذلك زيادة الوعي العالمي حول هذا الاضطراب. ومثال على ذلك، اليوم العالمي للتوعية بالتوحد الذي اقترحته صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر، لأول مرة لدى الأمم المتحدة عام 2007، فتبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة دون تصويت، ونتيجة لذلك، احتفى العالم لأول مرة باليوم العالمي للتوعية بالتوحد في 2 أبريل 2008.
وسعيًا للمساهمة في استراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر، أجرى معهد الدوحة الدولي للأسرة، عضو مؤسسة قطر، والذي يسعى ليكون رائدًا معرفيًا عالميًا في القضايا التي تواجه الأسرة العربية، دراسة حول صحة الأُسَر التي تعيش مع اضطراب طيف التوحد، وقد جمعت هذه الدراسة، التي أجريت باستخدام منهجيات متعددة، البيانات النوعية والكمية من خلال استطلاعات رأي ومقابلات معمّقة مع أولياء أمور الأطفال ذوي التوحد.
وجدت الدراسة أن العائلات التي تضم أطفالًا من ذوي التوحد تواجه صعوبات في الحصول على خدمات جيدة في الوقت المناسب، كما يواجه آباء وأمهات أطفال ذوي تحديات تتعلق بالدعم الاجتماعي والعاطفي والرعاية قصيرة الأمد، إضافة إلى تأثُّر العلاقات بين الزوجين والأشقاء سلبًا.
ولا تتوقف التحديات عند هذا الحد، حيث يتحمل الآباء والأمهات ضغوطًا مالية إضافية في محاولة تأمين صحة أطفالهم، كما وجدت الدراسة أن العديد من الآباء والأمهات أظهروا قلقًا شديدًا بشأن مستقبل أطفالهم.
هذه التحديات التي تواجهها الأُسَر تسلط الضوء على أهمية نشر الوعي حول اضطراب طيف التوحد، وقد عبّر الآباء والأمهات صراحة عن بعض التحديات سابقة الذكر، وقالت إحدى الأمهات: «تعاني ابنتي كلما خرجنا من البيت، فلا أحد يحترم حقوقها، وحين تصرخ أحيانًا يُحدّق الناس مستغربين، فيتعيّن عليّ التوضيح أن لديها احتياجات خاصة». وقال والد آخر: «ينظر الناس أحيانًا إلى ابنتي ويبتعدون عنها، وهو أمر مؤلم بالنسبة لي كأب وكإنسان أيضًا».
كما سلط بعض الآباء الضوء على سلوك الأغراب المتطرّف في التعبير عن مخاوفهم، حيث قال أحدهم إن ابنته كانت جالسة وصرخت مرتين أو ثلاث مرات، فقام رجل في الخمسينيات أو الستينيات من عمره وقال: «أنتم غير قادرين على تربية ابنتكم بشكل جيد».
جرت مناقشة بعض توصيات الدراسة ومشاركتها من قبل معهد الدوحة الدولي للأسرة في منتدى بحثي في فبراير الماضي. وتضمن هذا المنتدى أهم الجهات المعنية مثل وزارة الصحة العامة، ووزارة التعليم والتعليم العالي، ومركز الشفلَّح، وإدارة الأسرة في وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى بعض أُسَر الأطفال ذوي التوحد.
وأوصى المشاركون بجعل الإجراءات التشخيصية بسيطة وواضحة، وضمان تقديم الخدمات والدعم بشكل فوري وجودة عالية، وكذلك توفير الدعم النفسي الاجتماعي، وبناء مهارات التعامل مع التوحد لدى آباء وأمهات وأشقاء الأطفال المصابين، وتقليل الأعباء المالية على الأُسَر، وزيادة وعي المجتمع بالتوحد وتحدياته المختلفة.
لا تتوقف جهود قطر عند هذا الحد، فقد أنشأت قطر، على مر السنين، العديد من المرافق العامة التي تقدم التشخيص والعلاج، بالإضافة إلى توفير الرعاية الصحية والتعليم للمصابين بالتوحد.
وقد تأسس مركز تنمية الطفل في مستشفى الرميلة، وهو جزء من مؤسسة حمد الطبية، في عام 1982 لتقديم التقييم والتشخيص والتدخل المبكر للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 3-6 سنوات.
وبتوجيه من صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، تأسس مركز الشفلَّح للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة عام 1999 لتقديم المزيد من الخدمات المتخصصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي عام 2016، أنشأَتْ مؤسسةُ قطر أكاديميةَ ريناد، التي توفّر حاليًا التعليم المتخصص للأطفال ذوي التوحد بالنوع الخفيف إلى المتوسط، وتستقبل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3-7 سنوات، وفي كل عام، تضيف الأكاديمية مستوى أعلى من الصفوف، بهدف الوصول إلى المستوى الذي تخدم فيه الأكاديمية الطلاب من جميع الأعمار.
وفي الوقت ذاته، أنشأت وزارة التعليم والتعليم العالي مركز رؤى، الذي يوفر خدمات التقييم والاستشارات والدعم للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أنشأت مجموعة من أمهات الأطفال والاشخاص ذوي التوحد رابطةَ قطر لأُسَر التوحد، وهي رابطة غير رسمية للأُسَر التي تتعايش مع اضطراب طيف التوحد، وإضافة إلى ذلك، هناك مراكز خاصة تقدم الرعاية الطبية والتعليم للأفراد ذوي التوحد.
في شهر سبتمبر الماضي، صدر قرار مجلس الوزراء رقم (26) لسنة 2019 بإنشاء اللجنة الوطنية المعنية بشؤون المرأة والطفل وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تشرَّف معهد الدوحة الدولي للأسرة بعضويتها. واشتملت مهام هذه اللجنة على «رصد أوضاع حقوق... ذوي الإعاقة» ومن بينهم ذوو التوحد وضمان تطبيق السياسات الداعمة لهم.
وعلى الرغم من أن كل هذه الجهود تشكل جزءًا من الخطة الوطنية للتوحد (2017-2022)، التي تهدف إلى دعم الأفراد ذوي التوحد وأُسَرهم، من خلال رفع مستوى الوعي العام وتسهيل التشخيص المبكر وتحسين جودة الرعاية وتطوير التعليم، إلا أنها ما تزال مجرد بداية. فعلى سبيل المثال، لا يتوقف عمل معهد الدوحة الدولي للأسرة على إجراء البحوث واقتراح السياسات القائمة على الأدلة، ولكنه يعمل أيضًا بنشاط مع الجهات المعنية والشركاء للدفاع عن صحة أُسَر الأطفال المتعايشة مع اضطراب طيف التوحد وحصولهم على الدعم اللازم والرعاية التي يتعين تقديمها لهم.
copy short url   نسخ
02/04/2020
2208