+ A
A -
بالنسبة لخالد عبدالرزاق الداشر، تمثل الدعوة إلى «التباعد الاجتماعي» في خضم جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد - 19» مزحة قاسية. وتقول مجلة Foreign Policy الأميركية، يمكث الداشر في خيمة بسهل البقاع في لبنان مع 9 أفراد آخرين من عائلته، جميعهم لاجئون فروا من الحرب السورية، ويعيش نحو 500 شخص في هذا المخيم غير الرسمي. وتبعد الخيمة التالية 1.5 متر عن خيمته، أي بمسافة أقل بنحو نصف متر مما يوصي به خبراء الصحة العامة، ويفصل الاثنتين عن بعضهما أغطية شمعية وبلاستيكية، لكن مجرد الخروج من الخيمة يضع أي فرد منهما في مخاطرة غير مُستحسنة. وتشارك عائلة الداشر مع عائلة مجاورة برميلاً واحداً للحصول على المياه الجارية، التي أحياناً ما تنفد، لذا بدلاً من غسل أيديهم باستمرار مثلما يُنصَح عالمياً، يمسح الداشر وعائلته أيديهم بالكحول ويستخدمون مادة الكلور للتنظيف، وقال الداشر: «لكننا نعاني من انخفاض الإمدادات».
وبدأت جائحة فيروس كورونا المستجد تزحف إليهم، وتقول سحر توفيق، المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق: «التباعد الاجتماعي يمثل لهم رفاهية. يتصدر هاشتاغ StayHome# (ابقَ في المنزل) تويتر، لكن لا يمكنهم فعل ذلك؛ فليس لديهم منزل يبقون فيه».
وتواجه الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الآن مهمة محاولة حماية 70 مليون نازح عالمياً من فيروس رزخت تحت عبئه أفضل أنظمة الرعاية الصحية في العالم. وفي الشرق الأوسط، اضطر ملايين الأشخاص إلى الفرار بسبب الحرب في سوريا، والقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وغيرها من النزاعات، ولا يزال هؤلاء مشردين في مخيمات عشوائية ومبانٍ مكتظة أو غير مكتملة.
وتقول ميستي بوسويل، مديرة سياسات الشرق الأوسط في لجنة الإنقاذ الدولية: «جميع الأشياء الأساسية التي تحتاجها لتجنب تفشي الفيروس ناقصة»، ولا تتعلق المسألة بضعف الأنظمة الصحية في مخيمات اللاجئين، التي يحذر الخبراء من أنَّ الفيروس سيجتاحها، بل بغياب هذه الأنظمة تماماً في كثير من الأحيان.
وكان منزل الداشر في ضواحي حلب، الذي فرت منها عائلته في عام 2011، مزوداً بحمامٍ مناسب ومياه جارية، وكان ليوفر حماية أفضل بكثير من الفيروس غير المرئي الذي يهدد عائلته الآن، لكن لا تزال العودة غير آمنة. وقال داشر إنه ليس خائفاً على نفسه، بل على والديه المسنين اللذين يعيشان في خيمة مجاورة مع أشقائه، وتتشارك الخيمتان في حمامٍ واحد.
موارد شحيحة
وقال الداشر، الذي تلقى تدريباً على التمريض في سوريا: «الناس تعتقد أنَّ اللاجئين أغبياء، لكننا لسنا بدائيين، كل ما في الأمر هو أنَّ مواردنا شحيحة».
وتُكثف مجموعات الإغاثة توزيع الصابون والمياه ونشر المعلومات عن الفيروس في جميع أنحاء المنطقة. وفي العراق، حيث لا يزال 1.5 مليون شخص مشردين، تُرَش المخيمات بالمطهرات، وتضم بعض الخيام أكثر من 15 من أفراد الأسرة. ويبذل العراقيون في المخيمات قصارى جهدهم لاتباع الإرشادات الصحية، وقد وزعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مواد غذائية ومستلزمات النظافة الإضافية على بعض المخيمات هذا الأسبوع، لكن قالت سحر توفيق: «لا يمكنك أن تطلب من شخص ما استخدام الصابون والمنظفات إذا لم يكن لديه أي منها».
وفي المنطقة الكردية شمالي العراق، أغلقت معظم المخيمات، وتبنى الأردن إجراءً مماثلاً هذا الأسبوع، وأصبح سكان المخيمات والمستوطنات العشوائية يخشون دخول الغرباء، لأنهم قد ينقلون الفيروس إليهم. وقالت سحر توفيق: «إذا ظهرت حالة واحدة في مخيم، فهذه مشكلة كبيرة».
وتوقف الداشر عن زيارة الخيام الأخرى، وقال إنهم لا يُسمَح لهم بالمغادرة إلا للحالات الطارئة، وأوضح الداشر، الذي تحدث عبر الهاتف لأنَّ دخول أي صحفي للمخيم سيعرض سكانه لخطر لا داعي له: «نصحونا بوجوب ارتداء القفازات والأقنعة عند الخروج، لكنهم لم يمدونا بأيٍ منها بعد».
ولم تظهر حتى الآن حالات مؤكدة للفيروس في أي من المخيمات والمستوطنات العشوائية في الشرق الأوسط، التي يُقدَّر عددها بالمئات، لكن هذا لا يعني أنَّ الفيروس غير موجود، فجميع البلدان المستضيفة للاجئين لديها أعداد متزايدة من الإصابات، لكن الفحوصات في المخيمات كانت نادرة. وقال الداشر إنه لم يرَ أي فحص يُجرَى في مكان إقامته، لكن في مخيم في العراق خضع عدد قليل من الحالات المُشتَبَه في إصابتها الأسبوع الماضي للفحص، وجاءت النتائج سلبية.
شعور زائف بالراحة
وفي هذا الصدد، علَّق محمد حامد زمان، بروفيسور الهندسة الطبية الحيوية والصحة العالمية في جامعة بوسطن الأميركية، قائلاً: «يمكن أن يخلق ذلك (نقص الفحوصات في المخيمات) شعوراً زائفاً وخطيراً بالراحة، فغياب البيانات لا يعني عدم وجود مشكلة».
وأشار زمان، الذي عَمِل في مخيمات لاجئين في أماكن مختلفة بالشرق الأوسط، إلى قلة المعلومات المتوفرة عن عدد الفحوصات التي أُجرِيَت للنازحين، وفي مواجهة «كوفيد - 19»، لا يعد الجهل نعمة بالتأكيد. وقال إنَّ العديد من اللاجئين والنازحين داخلياً عرضة للإصابة بعد سنوات -أو حتى عقود- من سوء التغذية وتردي الرعاية الصحية.
وفي عشرات المخيمات الفلسطينية في المنطقة، يعيش اللاجئون في أبنية دائمة، لكنها لا تزال مكتظة بالسكان، ولا يفصل الشقق عن بعضها سوى ممرات ضيقة مظلمة، وغالباً ما تشترك عدة أجيال في مساحة معيشة واحدة.
وفي هذه الأثناء، يواجه 2 مليون نازح في مدينة إدلب السورية خطر تفشي الفيروس وسط اتفاق وقف إطلاق نار هش وُقِّع بوساطة من تركيا وروسيا في وقت سابق من الشهر الجاري. ويعيش مئات الآلاف من الأشخاص هناك في المخيمات، وأحياناً تتشارك عدة عائلات في خيمة واحدة. وتعني العودة إلى الصراع تشريد الآلاف من الأشخاص، وقالت ميستي بوسويل إنه في حالة حدوث هذا السيناريو، سيكون من شبه المستحيل مساعدتهم.
«كورونا» آخر اهتماماتهم
ويقول الأشخاص الذين يعملون في مديرية الصحة التابعة للمعارضة السورية في إدلب إنهم يستعدون بقدر الإمكان، بالنظر إلى أنَّ العديد من المرافق الصحية تدمرت من جراء القصف، وهم يحاولون في الوقت نفسه نشر الوعي بين سكان إدلب.
من جانبه، يقول وسيم زكريا، طبيب تابع لمديرية الصحة: «لا يهتم الناس كثيراً بسبب انشغالهم بهموم الحياة والقصف والنزوح».
وتزعم سوريا أنها تخلو من الإصابات بفيروس «كوفيد - 19»، لكن بعض التقارير أثارت شكوكاً حول صحة هذا الادعاء.
ووجدت منظمات الإغاثة نفسها أمام قرارات صعبة، إذ اضطرت كثيرة منها لإلغاء جميع البرامج غير الأساسية، واستمرت فقط في الأنشطة الخاصة بالصحة والنظافة العامة والغذاء، مع استهداف تقليل عدد الأشخاص الذين يدخلون إلى المخيمات.
إذ هناك خطر أن يُدخِل العاملون في المجال الإنساني حسنو النية الفيروس إلى المجتمعات المستضعفة، وبالأخص نظراً إلى المعدلات المُقلِقَة من انتقال العدوى من أشخاص لا تظهر عليهم الأعراض.
وتعكف الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الآن على تدريب العاملين على تدابير السلامة والوقاية من الفيروس، لكن في الأسبوع الماضي ثبتت إصابة أحد عمال الإغاثة الذين زاروا اللاجئين في مخيم سهل البقاع في لبنان؛ مما أثار القلق.
بدوره، وضع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة -الذي يقع مقره لسوء الحظ في روما، التي خرج فيها تفشي جائحة كورونا المستجد عن السيطرة- إرشادات جديدة لتوزيع الغذاء هذا الأسبوع تتضمن قواعد عدم الاتصال، وفحوصات إلزامية لدرجات الحرارة، وتعليمات لصنع محلول غسل اليدين بنسبة 0.5 % من الكلور ليستخدمه متلقو المساعدة.
وفي دول مثل لبنان، بدأت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية منذ فترة تحويل الأموال إلى اللاجئين لشراء الغذاء وغيره من الاحتياجات الأساسية، بدلاً من تسليمهم حقائب الأرز وأوعية الزيت، لكنها ليست كافية لشراء مخزون من هذه السلع، لذا لا تبدو الأنباء عن تكديس الناس في هلع الأغذية والمطهرات إلا مجرد مزحة أخرى قاسية للاجئين.
الفيروس لا يعرف حدوداً
أطلقت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين مناشدة بقيمة 33 مليون دولار للتعامل مع الأزمة، ولكن العديد من الدول التي قد تستجيب عادةً بالتبرع تكافح لاحتواء تفشي الفيروس لديها. وسيواجه اللاجئون منافسة غير مسبوقة على الموارد الطبية الطارئة، إذ ترسل منظمات مثل «أطباء بلا حدود»، التي عادة ما تساعد الأكثر استضعافاً في العالم، فرقاً إلى أماكن مثل إيطاليا. ومن ثم، فإنه في هذه المنافسة على الموارد الصحية العالمية، من المرجح أن يخسر اللاجئون.
وقال بوسويل: «يركز الجميع بشدة على ما يحدث في بلادهم، لكن هذا الفيروس لا يعرف حدوداً».
حتى مع التبرع بالمساعدات والإمدادات الطبية لبعض البلدان، لا يتضح مقدار ما سيصل منها إلى اللاجئين. وقال زمان، الأستاذ بجامعة بوسطن، إنه علاوة على أن اللاجئين عُرضة للإصابة بسهولة بالفيروس، لعدم قدرتهم على تطبيق العزل الذاتي والافتقار إلى المرافق الصحية والنظافة الصحية، يواجه اللاجئون أيضاً وصمة لا تصدق، وغالباً ما يصيرون كبش فداء في خضم الأزمات. إذا انتشر الفيروس بسرعة في المخيم، فقد ينسى السكان المحليون أنه دخل البلاد عن طريق الرحلات الجوية. تُغلق الحدود بمعدل غير مسبوق، فضلاً عن التعليق المؤقت لمساعدة المهاجرين، تلك المعجزة الممنوحة لـ 1 % فقط من اللاجئين، لكنها تمنح الأمل للملايين.
وقال داشر: «السوريون في وضع متزعزع بالفعل، لذا فهم قلقون بشأن ما قد يحدث إذا مرضوا».
ويشعر بعض اللاجئين السوريين في لبنان بالقلق من أنهم لن يتلقوا العلاج في مستشفيات البلاد إذا ما أصيبوا بالفيروس. وفي حين أنه ليس هناك ما يشير إلى صحة ذلك، فمن المحتمل للغاية إقصاء اللاجئين من قائمة الأولويات مع كفاح النظم الصحية في البلدان المستضيفة للاجئين لعلاج سكانها.
وفي ضوء ذلك، قال زمان: «الاعتناء بشعبك هو أمر طبيعي عند مرحلة ما، لكن إذا كان هذا هو كل ما تفعله، يضحى الأمر إشكالياً».
copy short url   نسخ
02/04/2020
562