+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إن القرآن في حقيقته ليس مجرد آيات تضمنها دفتا المصحف، بل ذلك ما يظهر لنا منه، أما في الحقيقة فهو روح ونور، فلذا من البدَهيِّ عندما يحاول المسلم إدراك هذه الحقيقة، أن يفيض التعظيم تلقائياً من أعماق نفسه لهذا الكتاب الجليل، الذي هو أثر من آثار رحمة الله بالإنسان. قال تعالى: (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) فمعناه كما قال أهل التّفسير: أحكمت آياته بالأمر والنّهي والحلال والحرام، ثمّ فصّلت بالوعد والوعيد. والحكمة: إصابة الحقّ بالعلم والعقل، ويختلف معنى الحكمة باختلاف من يتّصف بها، فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان: معرفة الموجودات وفعل الخيرات، وهذا وصف به لقمان في قوله تعالى: ( وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ) ونبّه على جملتها (أي الحكمة) بما وصفه به، فإذا قيل في الله تعالى هو حكيم فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به غيره، ومن هذا الوجه قال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) وإذا وصف به القرآن فلتضمّنه الحكمة، وعلى ذلك قوله تعالى( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) وقيل معنى الحكيم المحكم كما في قوله تعالى: ( أُحْكِمَتْ آياتُهُ) وكلاهما صحيح فإنّه محكم ومفيد للحكم (أي الحكمة) ففيه المعنيان جميعا.
وللحكمة في القرآن ستّة أوجه: أحدها: الموعظة: ومنه قوله تعالى: (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) والثّاني: السّنّة: ومنه قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)، والثّالث: الفهم: ومنه قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ)، والرّابع: النّبوّة: ومنه قوله تعالى: (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ)،الخامس: القرآن: أمره ونهيه: ومنه قوله تعالى:( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) والسّادس: علوم القرآن: ومنه قوله تعالى: ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).
وللحكمة فوائد كثيرة فهي الإصابة في القول والسّداد في الفعل، والحكيم يعمل على وفق الشّرع، ويصيب في القول والفعل والتّفكّر ويسير على هدي من الله ونور ومن أجمل فوائد الحكمة أنّها تدلّ على المعرفة بالله- عزّ وجلّ- مع نفاذ البصيرة وتهذيب النّفس وتحقيق الحقّ للعمل بمقتضاه والبعد عمّا سواه، فالحكمة دليل كمال العقل، يلبس صاحبها تاج الكرامة في الدّنيا والآخرة وينفع الله بصاحبها طلّاب العلم ومريدي الخير، ويدرأ الله بصاحبها أبوابا كثيرة من الشّرّ، فهي سمة من سمات الأنبياء والصّالحين والعلماء العالمين.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
29/03/2020
389