+ A
A -
توماس فريدمان
قبل اندلاع أزمة فيروس كورونا، كانت تراودني فكرة تأليف كتاب عن الأحزاب السياسية في القرن الحادي والعشرين، ولكن في ضوء هذا الوباء العالمي، من الأفضل وضع فكرة أي كتاب الآن، جانباً. فاليوم، لا يوجد سوى BC، أي العالم قبل كورونا، وAC، أي العالم بعد كورونا. ولم نبدأ بعد، في فهم ما سيبدو عليه عالم ما بعد كورونا، ولكن هناك بعض الاتجاهات التي يمكن رصدها. لقد ألفت كتابي بعنوان «العالم مسطح» حول تزايد الترابط العالمي في عام 2004. لقد أصبح العالم أكثر تسطحاً وترابطًا منذ ذلك الحين. ومن قبيل المفاجأة انني عندما شرعت في تأليف ذلك الكتاب، كان قد تم للتو، إطلاق موقع فيسبوك. وكان موقع تويتر مجرد صوت بلا صورة. وكانت السحابة ما تزال في السماء. كان 4G في بداياته. وكان موقع LinkedIn سجناً. وكانت التطبيقات، بالنسبة لمعظم الناس، هي ما ترسله إلى الزملاء، وكان Skype خطأ مطبعيًا. وكان iPhone لا يزال مشروع ستيف جوبس السري. فجميع أدوات الاتصال هذه، ناهيك عن التجارة والسياحة على نطاق عالمي، انفجرت بعد عام 2004 وربطت بين اجزاء العالم بالفعل. وهذا هو السبب في أن كوكبنا اليوم ليس مترابطًا فقط – بل ويعتمد على بعضه البعض، ومنصهر في نواح كثيرة. وقد دفع هذا الكثير من النمو الاقتصادي. ولكن هذا يعني أيضًا أنه عندما تسوء الأمور في مكان ما، يمكن أن تنتقل هذه المشكلة إلى أبعد وأسرع وأعمق وأرخص من أي وقت مضى. لذا، فإذا عضّ خفاش يحمل الفيروسات حيوانًا ثدييًا آخر في الصين، وتم بيع هذا الحيوان الثديي في سوق ووهان للحيوانات البرية، فإنه ينقل العدوى لرجل صيني يأكله، وفي غضون أسابيع قليلة يتم إغلاق جميع المدارس العامة، وهو الأمر الذي يدفعني إلى ترك مسافة بيني وبين أي شخص آخر تتجاوز ستة أقدام وأنا أسير في بلدة بيثيسدا بولاية ميريلاند. الإغلاق فوراً ولهذا السبب، فإن أزمة فيروسات كورونا هي أبعد ما تكون عن نهايتها. قال لي بيل جوي، عالم الكمبيوتر الذي شارك في تأسيس شركة Sun Microsystems، أن «الأسابيع القليلة الماضية كانت، في الواقع غير مفاجئة ويمكن التنبؤ بكيفية انتشار الوباء. لكننا وصلنا الآن إلى نقطة يتم فيها إغلاق جميع أنظمتنا المتشابكة، كل منها مع حلقات الملاحظات الخاصة بها، بطرق غير متوقعة. وهذا سيؤدي حتمًا إلى بعض النتائج العشوائية والفوضوية، مثل فقدان العاملين في مجال الرعاية الصحية للرعاية الصحية لأطفالهم». قوة التسارع: من أصعب الأشياء التي يمكن للعقل البشري أن يدركها هي قوة التسارع، وهو شيء يستمر في التضاعف بلا هوادة، مثل الوباء. لا يستطيع الدماغ أن يقدّر مدى السرعة التي يمكن أن ينفجر التسارع بها، حيث إن آلاف حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس في أميركا قد تصبح مليون حالة إذا لم نطبق الإغلاق فوراً. إليك طريقة بسيطة لشرح التهديد (الأسي) التسارعي الذي نواجهه، بطريقة يمكن أن يفهمها تاجر عقارات كثير الإعلان عن إفلاسه مثل دونالد ترامب. وهي منقولة عن بيل جوي أيضاً: «الفيروس يشبه أسماك قرش القرض التي تتقاضى فائدة 25 في المائة يوميًا. اقترضنا دولارًا واحدًا (أول فيروس كورونا يظهر هنا في أميركا). ثم تأخرنا عن السداد لمدة 40 يومًا. الآن نحن مدينون بمبلغ 7500 دولار. وإذا انتظرنا ثلاثة أسابيع أخرى دون سداد، فسوف نصبح مدينين بما يقرب من مليون دولار». هذا هو السبب في أن العمل كل يوم لإبطاء معدل الإصابة واختبار كل شخص ممكن هو كل شيء. وإذا خسرنا هذه المعركة، خسرنا الحرب. هذا هو السبب أيضًا في أن الرقم الوحيد الذي أراقبه الآن ليس هو أسعار الفائدة التي يعلن عنها الاحتياطي الفيدرالي، بل هو عدد المصابين بفيروس كورونا الذي يمكثون في غرف العناية المركزة مقابل عدد المستشفيات العامة وعدد أسرة وحدات العناية المركزة المتاحة في كل ارجاء البلاد. فإذا كان بوسع الرقم الثاني استيعاب الرقم الأول عند ذروة الفيروس، فسنكون في وضع جيد. أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فسنكون في حالة فوضى. قانون مور انقلاب التسارع. على الرغم من ذلك، هناك تسارع آخر قد ينتهي إلى إنقاذنا: قانون مور، الذي صاغه المؤسس المشارك لشركة إنتل غوردون مور في عام 1965 ويفترض أن السرعة وقوة المعالجة لأجهزة الكمبيوتر ستتضاعف كل عامين، كما يمكن تعبأة المزيد من الترانزستورات على رقاقة الكترونية الدقيقة. ولتوضيح قوة قانون مور لجعل جميع الأشياء أفضل وأذكى وأسرع، أخذ مهندسو شركة انتيل، سيارة فولكس واغن بيتل عام 1971 وحاولوا حساب كيف ستكون عليه هذه السيارة اليوم إذا كانت قد تحسنت بنفس المعدل الأسي الذي تحسنت فيه الرقائق الدقيقة منذ عام 1971. كان أفضل تخمين لمهندسي شركة انتيل هو أن فولكس واغن بيتل ستقطع اليوم 300 ألف ميل في الساعة، وستقطع مليوني ميل بكل غالون، وبكلفة 4 سنتات. هذه هي القوة الأسية (التسارعية) في الهندسة في الاتجاه التصاعدي، وقد يكون هذا النوع الأسي الذي يمكن أن يساعد أيضًا في جلب علاج ولقاح لفيروس كورونا. وكما كتب نيتين باي، مدير معهد Takshashila، وهو مركز أبحاث مستقل في بنغالور (الهند)، على موقع livemint.com يوم الأحد الماضي: «أحدثت التطورات في تكنولوجيا الكمبيوتر والبيولوجيا الاصطناعية ثورة في اكتشاف وتشخيص مسببات الأمراض، وكذلك عمليات تصميم وتطوير اللقاحات، وإخضاعها لدورات قانون مور. فالأوبئة الأخيرة، بدءاً بسارس وH1N1 وإيبولا وزيكا والآن Covid-19، ستدفع المزيد من المواهب والقدرات العقلية إلى العلوم البيولوجية والوبائية إلى المزيد من البحث». لكن هل سيكون البحث سريعاً بما يكفي؟ أشار غوتام موكوندا، الباحث في مركز كنيدي للقيادة العامة في جامعة هارفارد، إلى أنه حتى في عصر الحواسيب العملاقة، «لا يوجد لدينا حتى الآن لقاح لـ HIV. أو الملاريا، المرضان الخطيران المنتشران واللذان نحاربهما منذ سنوات. من المؤكد أن العلم سيصل إلى النقطة التي يمكننا من خلالها تطوير لقاحات جديدة للمرض، لكن المشكلة أن الأمر في غاية الصعوبة». ثقافات فضفاضة هل ستتغير الثقافة أو السياسة الأميركية بشكل جذري بسبب هذا الوباء؟ أعرف على وجه التأكيد، أن هناك نكتة لن يطلقها الساسة الجمهوريون عن مسار الحملة الانتخابية هذا العام. إنها حول المكان الذي ينتقدون فيه الدولة العميقة والبيروقراطيون الحكوميون ويجعلون الجمهور يضحك بالقول: «مرحبًا، أنا من الحكومة وأنا هنا للمساعدة». سنتجاوز هذه الأزمة بسبب عمق المواهب والالتزام غير الأناني، في دولتنا العميقة وحكومتنا الكبيرة: العلماء والمهنيون الطبيون والمتخصصون في الكوارث وخبراء البيئة، أي كل الأشخاص الذين حاول ترامب تقزيمهم. أنا الآن أناشد الحكومة الكبيرة والمؤسسة الطبية الكبيرة لإنقاذنا. Volume 0% قد تتغير ثقافتنا السياسية أيضًا قبل أن تنتهي هذه الأزمة. صديقتي البروفيسورة ميشيل غلفاند من جامعة ميريلاند مؤلفة كتاب «صانعو القواعد ومخالفو النظم: كيف تربط الثقافات الضيقة والواسعة العالم». واستذكرت غلفاند في مقالة نشرتها في صحيفة «بوسطن غلوب» الأسبوع الماضي، إلى أنها في بحث نشرته هي وزملاؤها في مجلة ساينس قبل عدة سنوات، صنفوا الدول من حيث اعطاء الأولوية للقواعد على الحرية، سواء كانت «ضيقة» أو «فضفاضة». وأضافت ان «المجتمعات الضيقة مثل الصين وسنغافورة والنمسا لديها العديد من القواعد والعقوبات التي تحكم السلوك الاجتماعي. لقد اعتاد المواطنون في تلك الأماكن على درجة عالية من الرقابة التي تهدف إلى تعزيز السلوك الجيد. أما الثقافات الفضفاضة في دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا والبرازيل، فلديها قواعد أضعف وأكثر تساهلاً». حالة عدم يقين وجادلت إن هذه الاختلافات بين التضيق والتساهل لم تكن عشوائية: «فالدول التي لديها أقوى القوانين وأشد العقوبات هي تلك التي لها تاريخ من المجاعات والحرب والكوارث الطبيعية وتفشي الأمراض. لقد تعلمت هذه الدول المعرضة للكوارث، الدرس الصعب على مر القرون، وهو أن القواعد الصارمة والنظام ينقذان الأرواح. في حين إن الثقافات التي واجهت القليل من التهديدات، مثل الولايات المتحدة، فإنها تتمتع بترف القوانين الفضفاضة». تقول غيلفاند، لقد كان من الواضح جدًا أن المجتمعات «المشهورة» بصرامة القوانين مثل سنغافورة وهونغ كونغ، أظهرت الاستجابة الأكثر فعالية لـ «Covid-19».
في الوقت نفسه، فإن نقاط الضعف في تنسيق البيت الأبيض والشخصيات العامة المتهورة، مثل لاري كودلو وشون هانيتي ولورا إنغراهام وراش ليمبا وكيليان كونواي وديفين نونس وترامب نفسه، الذين قللوا في البداية من التأثير المحتمل للفيروس أو الدوافع السياسية المفترضة وراء الحديث عن كورونا، ساعدوا في مضاعفة الخطر المحدق بالولايات المتحدة. وخلصت غلفاند إلى القول: «في خضم حالة عدم اليقين، نحتاج إلى أن نتذكر أن مسار الفيروس له علاقة كبيرة بطبيعة الفيروس وبالثقافة العامة. فبرامجنا الثقافية الفضفاضة بحاجة إلى تغيير كبير في الأيام المقبلة». لقد نجح في ذلك أعظم جيل في الحرب العالمية الثانية. لكن هل يمكننا الآن؟ الكرم هو الوحيد الذي ينقذنا. هناك الملايين من أصحاب الأعمال والشركات الذين يستثمرون في الأصول طويلة الأجل التي كانوا يفترضون أن قيمتها سترتفع كسهم أو شركة أو منزل أو مطعم أو متجر، بأموال مقترضة. هذه الأموال لا يمكنهم سدادها الآن. لذلك، لا نحتاج فقط أن يدعم بنك الاحتياطي الفيدرالي البنوك الكبرى لمنع انهيارها التام، ولا نحتاج فقط، أن تقوم البنوك بإعادة هيكلة ديونها، بل نحتاج إلى ضخ أموال جديدة في جيوب جميع عمالها حتى يتمكنوا من تأمين قوت يومهم بعد ان أنفقوا آخر رواتبهم. ومن المشجع رؤية الإدارة والكونغرس يتحركان بسرعة للقيام بذلك. وكلما عمدنا إلى تشديد ثقافتنا وتخفيف أعبائنا، في آن معً، أصبح مجتمعنا أقوى وأكثر لطفًا، بعد كورونا.
copy short url   نسخ
29/03/2020
671