+ A
A -
عالجت مناظرات الدوحة، إحدى مبادرات مؤسسة قطر، الحد الذي ينبغي وضعه لمسألة تحرير الجينات البشرية، وما إذا كان ينبغي السماح بخلق أناس «خارقين»، في آخر مناظرات الموسم الأول في حلتها الجديدة.
شارك ثلاثة خبراء في حوار مكثف حول أخلاقيات وتحديات التحسين الوراثي البشري خلال مناظرة عُقدتها جامعة نورثوسترن في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، والتي بسبب وباء فيروس كورونا العالمي، جرت من دون جمهور الطلاب المعتاد.
لكن مراسلة مناظرات الدوحة نيلوفر هدايات حافظت على الجزء التفاعلي من البرنامج والذي يعتبر منبرًا للحوار والنقاش. وتواصلت عبر الفيديو مع الطلاب وعرضت تغريدات المشاهدين ومداخلاتهم عبر تطبيق انستغرام من دول من بينها نيجيريا والمملكة المتحدة والسويد وغانا.
ركز النقاش في المقام الأول على تحرير الخط الجنسي، مما أدى إلى تغييرات وراثية في الحمض النووي – على سبيل المثال إذا تم تعديل الحمض النووي الجيني لإنتاج عيون زرقاء، فإن جينات العيون الزرقاء ستكون موجودة في الأطفال وأطفالهم - وقد حظي ذلك باهتمام وانتقاد العالم في السنوات الأخيرة. وسعت مديرة الحوار غيدا فخري إلى تأطير النقاش عن طريق التساؤل عما إذا كان الهدف من تحرير الجينات هو تعديل وإضعاف بعض الأمراض أو الحالات، وما إذا كان ذلك سيزيد من عدم المساواة العالمية إذا كان متاحًا في البداية فقط للمقتدرين.
وزعم البروفيسور جوليان سافوليسكو، عالم الأخلاق والفيلسوف الأخلاقي ورئيس مركز «يوهيرو» للأخلاقيات العملية في جامعة أكسفورد، بأن تحرير الجينات هو «واجب أخلاقي للمجتمع»، قائلاً: «ما يهم كل واحد منا هو رفاهيتنا بشكل عام».
وأضاف: «نحن نقيس ذلك من خلال أشياء كالسعادة، وما إذا كان بإمكاننا تحديد أهدافنا الخاصة وتحقيقها، وما إذا كانت لدينا علاقات شخصية عميقة وجوهرية. الجينات لا تؤثر فقط على الصحة، بل تؤثر كذلك على قدرتنا على الرفاهية - والطبيعة لا تقسّم الجينات بالتساوي».
وقال: «نستخدم بالفعل تدخلات بيولوجية متنوعة، مثل الملح المعالج باليود لأنه يحسن معدل الذكاء، ومثل إزالة الرصاص من الطلاء، لأنه يسبب إعاقات ذهنية، أو مثل استخدام أدوية للحد من العنف المندفع. لا يوجد فرق بين التدخلات البيئية والبيولوجية - ويجب أن يتمكن الأهل من الوصول إلى هذه التقنيات لتحسين حياة أطفالهم، شرط ألا تضر التقنيات بأطفالهم أو بالأشخاص الآخرين. يمكن للعلم أن يخبرنا بكيفية تحقيق هذه الأشياء، ولكن الأخلاق يمكن أن تخبرنا ما إذا كان ينبغي لنا فعل ذلك- بينما تعزيز الرفاهية هو في صلب المبدأ الأخلاقي».
من جانبه، قال جيمي ميتزل، اختصاصي التكنولوجيا والرعاية الصحية المستقبلي، عضو تحالف «رايت» لمشروع الجينوم البشري، إن تعديل الجينات «نتيجة حتمية»، مضيفًا: «إننا نستخدم بالفعل العديد من العلاجات والتقنيات لتحسين الجنس البشري، وتعديل الجينات لا يختلف».
وقال: «ماذا لو استطعنا هندسة الناس ليقاوموا فيروس كورونا الجديد، أو للقضاء على الأمراض الوراثية المؤلمة؛ لتحسين الرعاية الصحية بحيث لا تستند إلى المعدلات العامة للسكان، ولكنها مخصصة لبيولوجيتكم؛ أو السماح للجنس البشري بالعيش على كوكب سيصبح في النهاية غير صالح للسكن؟».
غير أنه أقر بمخاطر تعديل الجينات وقدرتها على التسبب في الانقسام، قائلاً إنه من أجل تجنب تعميق عدم المساواة وتسطيح التنوع الجيني الأساسي، يجب على هذه التقنيات اعتماد معيار القيم والأخلاق. وقال: إن «مسألة الأغنياء والفقراء – هي إحدى النتائج المحتملة». وأضاف: «إذا لم نكن نريد هذه النتيجة، فمن الأفضل أن نبدأ في تنظيم نتيجة مختلفة».
بدورها، دعت كاتي حسون، مديرة برنامج العدالة الوراثية في مركز علم الوراثة والمجتمع، الجمهور عبر الإنترنت إلى تخيل هذا العالم الذي يتم فيه التلاعب بالحمض النووي لكل طفل منذ لحظة ظهوره في المختبر، فيصار إلى تحقيق رغبات الأهل في جينوم أطفالهم المستقبليين والأجيال القادمة.
وقالت: «هل ستكون السمات التي يُنظر إليها على أنها الأفضل متاحة فقط للأثرياء والمقتدرين؟ هل سيعمق التعديل الجيني الهوة بين الأغنياء والفقراء؟ هل يشعر الأهل بالضغوط لاختيار السمات بناءً على المعايير الثقافية والاجتماعية المحددة بشكل ضيق؟ علينا التفكير بهذه الأسئلة التي نحتاج، وقد حان وقت القيام بذلك».
وتابعت: «إن التجربة ليست آمنة وليست ضرورية، وتحمل في طياتها القدرة على زيادة اللامساواة الفظيعة التي نشهدها. بدلاً من استخدام التعديل الجيني لإيجاد وضع تكون فرص الجميع فيه متكافئة فكريًا وسواها، يجب أن نعمل على إنشاء مجتمع يقدر الناس كما هم، في نطاق القدرات والتجسيدات».
أثار قسم ما بعد العرض، الذي استضافته هدايات، حوارًا عالميًا، وجاءت التعليقات والأسئلة من نيجيريا وأفغانستان وبولندا والسويد والبرازيل والولايات المتحدة. وأجرت هدايات مقابلة مع ضيفتها الخاصة نوال أكرم، الناشطة القطرية في مجال حقوق المعاقين، والرياضية والكوميدية، والتي تعاني من ضمور عضلي وراثي؛ وقالت إنه بالنسبة لها، كان هذا النقاش شخصيًا.
وأضافت: «يتم أخذ الوقت لإجراء الكثير من البحوث للمستقبل؛ ولكن حاليًا، الكثير من ذوي الإعاقة لا يستطيعون تحمل تكاليف الدواء، ولا تكاليف الرعاية الصحية، ولا تكاليف التعليم».
في ثلاث مراحل خلال الحوار، طُلب من الجمهور عبر الإنترنت إعطاء علامة لمواقف المتحاورين الثلاثة. بعد المداخلات الافتتاحية، حصل رأي حسون حول عدم تعديل الجينات على أعلى نتيجة بنسبة 51 في المائة. ومع نهاية النقاش، كان التأييد للرأي الوسط وعدم تعديل الجينات هو نفسه تقريبًا، حيث حصل ميتزل على 36 بالمائة وحسون على 38 بالمائة، بينما حصل سافوليسكو على 25 بالمائة.
وقد طلب الدكتور غوفيندا كلايتون، مقرِّب وجهات النظر في المناظرة، من المتحدثين توسيع نطاق حديثهم للتوصل إلى بعض نقاط الاتفاق. وقال: «المتحاورون جميعهم، سواء شعروا بالقلق من إمكانية تعديل الجينات أو حبذوها، اتفقوا على نقطة واحدة مهمة؛ وهي أن الأمر مليء بالمخاطر والتحديات، ولا يمكننا بناء عالم أكثر عدلاً وتضامنًا من دون اتفاق واسع النطاق بشأن الاعتبارات الأخلاقية».
copy short url   نسخ
27/03/2020
1516