+ A
A -
بعد مرور 70 عاماً على الحرب العالمية الثانية، ندرك الآن بسهولة أن ألمانيا النازية كان محكوماً عليها بالفشل. كان الجيش الروسي يتقدم من الشرق بلا هوادة؛ مع الغزو الأنجلو-أميركي من الغرب، واحتراق المدن والمصانع الألمانية بسبب الغارات الجوية الأميركية والبريطانية على مدار الساعة.
لكن من قاتل الألمان يدرك أنه من الأفضل ألا يقلل من شأنهم أو يستهين بهم.
وعندما كان يفكّر أيزنهاور في الهجوم على «حصن أوروبا» -نورماندي- خلال الساعات التي تسبق يوم النصر، كان يدرك مدى خطورة العملية.
سيناريو الهزيمة وخطاب لم يُتلَ
بدا وجه الجنرال دوايت أيزنهاور متجهماً، لكنه حافظ على رباطة جأشه أثناء قراءة بيان قصير على أسماع المراسلين والصحفيين المتجمعين في صباح يوم 7 يونيو 1944.
«فشلت عمليات إنزال قواتنا في منطقة تشيربورغ-هافر في تأمين موطئ قدم مناسب لنا وقررت سحب القوات. استند قراري بالهجوم في هذا الوقت والمكان إلى أفضل المعلومات المتاحة وقتها. وأظهرت قوات المشاة والجوية والبحرية أسمى معاني الشجاعة والبذل والتفاني. إذا كان هناك أي لوم أو خطأ بهذه المحاولة، فهذا يقع على عاتقي وحدي».
في الواقع، لم يتلُ أيزنهاور هذا البيان على أسماع الصحفيين. لكنه أعدّ هذا البيان ودوّنه خلال الأيام العصيبة التي سبقت «غزو نورماندي». وبالرغم من سنوات التخطيط لـ «يوم النصر»، والأسطول الهائل من المشاة والسفن والطائرات التي شاركت في الهجوم، عرف أيزنهاور مدى خطورة اقتحام شاطئ في قلب «جدار هتلر الأطلسي».
بالفعل نجحت عملية «يوم النصر» وكانت أحد أكبر الانتصارات لقوات الحلفاء والتي مهدت بشكل مباشر لهزيمة دول المحور بزعامة هتلر، ولكن بحسب ما نشر موقع مجلة National Interest الأميركية؛ هناك خمس طرق كان يمكن أن ينتهي بها «يوم النصر» إلى كارثة:
كان يمكن للألمان معرفة موقع الغزو
في بدايات عام 1944، عرف الجميع أن غزو الحلفاء اقترب لا محالة. أدرك المواطنون في بريطانيا ذلك، بعدما رأوا جزيرتهم تغرق تحت وطأة الانقسام بعد تقسيم القوات الأميركية. وأدرك هتلر ذلك أيضاً، ولهذا السبب نقل دباباته ومركباته المدرعة من الجبهة الشرقية إلى الغرب.
السؤال الكبير لم يكن إذا كان الحلفاء قادمين أم لا، ولكنه أين. السيطرة على البحار منحت الحلفاء مرونة هائلة في تحديد واختيار موقع الغزو، ما يعني أن الألمان كان عليهم الاستعداد لعمليات إنزال قوات الحلفاء في أي مكان من فرنسا، إلى بلجيكا وهولندا (كان هتلر مقتنعاً بإنزال الحلفاء لقواتهم في النرويج).
ومع ذلك، إذا أقدم الألمان على التفكير ببعض التخمينات المنطقية، سيتوصلون إلى أن موقع الغزو المثالي سيكون في نطاق تغطية المقاتلات البريطانية والمطارات الإنجليزية. وسيكون أيضاً أقرب ما يمكن للموانئ في جنوب إنجلترا، لتقليص وقت الإبحار المطلوب لأساطيل الغزو.
كانت شبه جزيرة نورماندي احتمالاً مقبولاً. ولكن التخمين الأبرز كان إقليم باه دو كاليه، الذي يبعد 20 ميلاً فقط عبر القنال الإنجليزي من منحدرات دوفر. أبقى الألمان العديد من قواتهم حول كاليه، وشجعهم الحلفاء على ذلك. حتى أنهم كونوا جيشاً مزيفاً، بقيادة جورج باتون، بدا مستعداً لغزو كاليه. وكانت النتيجة إبقاء الألمان قدراً كبيراً من قواتهم في باه دو كاليه لشهور، مقتنعين بأن إنزال نورماندي سيكون مجرد تمويه للغزو الرئيسي. وفي نفس الوقت، سحق الحلفاء قوات الألمان في نورماندي بلا هوادة حتى نجحوا بحلول شهر أغسطس في شق طريقهم نحو ألمانيا.
كان من الممكن أن تختلف الأمور تماماً؛ كان يكفي فقط أن يخمّن الألمان موقع الغزو الحقيقي في نورماندي، أو ربما كان يمكن لجاسوس ألماني في إنجلترا أن يخترق صفوف الحلفاء ويصل إلى مخططاتهم. كان يمكن لأي كلمة خاطئة أو وثيقة مسروقة أن تكشف عن سر «يوم النصر» ويتحول مجرى التاريخ.
أياً كان السبب، كان يمكن أن تكون النتائج كارثية. كان الألمان سيعززون من دفاعاتهم؛ وكنا سنرى مجزرة على كل الشواطئ مثل شاطئ أوماها، حيث قُتل أكثر من 2000 جندي أميركي.
ولكن الضربة القاضية التي كان يمكن أن تمحو ذكرى «يوم النصر» هي تجمّع فرق المدرعات في نورماندي لقصف الغزاة في عرض البحار. على الأقل، كان يمكن سحب بعض التعزيزات من باه دو كاليه إلى نورماندي، لإعاقة تقدم قوات الحلفاء. وبدلاً من أن يحتفل الحلفاء برأس السنة الجديدة على الحدود الألمانية، كانوا سيظلون على شواطئ فرنسا يقاتلون للحفاظ على موطئ القدم الذي حصلوا عليه.
كان يمكن أن تشنّ المدرعات الألمانية هجوماً مضاداً
حتى إذا تمكّن الحلفاء من تجاوز التحصينات الخرسانية وحقول الألغام على شواطئ الغزو، فلم يكن ذلك إلا البداية فقط. أكثر الأوقات هشاشة لقوات الغزو هو ما بعد الإنزال مباشرة، إذ تفتقر الشواطئ الضحلة إلى العمق الدفاعي، ولا يتوفر الوقت للغزاة لتجهيز المدفعية والمدرعات الشاطئية. إذا تمكّن الألمان وقتها من شن هجوم مضاد سريع على نورماندي بالمدرعات والدبابات، ربما كان سيُجبر أيزنهاور على قراءة هذا البيان الحزين.
ولكن الأمر لم يكن بتلك البساطة. لم يكن الألمان يعرفون موقع الغزو. كانت لديهم 10 فرق من المدرعات في فرنسا وهولندا.
ولكن أين مواقعهم؟ لم يفكّر هتلر وقادته جيداً في هذا الأمر. كان هناك قادة مجموعة المدرعات الغربية، احتياطي المدرعات المركزي في فرنسا، الذين شجعوا على حشد الدبابات في منطقة مركزية بالقرب من باريس، حيث يمكنهم من هناك الرد بضربة مركزة على أي عمليات إنزال لقوات الحلفاء. هذه هي الطريقة التي عملوا بها في روسيا، حيث عملت المدرعات بمثابة «جدار ناري» يتحرك صعوداً وهبوطاً على جبهة القتال لدحر الهجمات السوفياتية.
ولكن في روسيا، لم يمثّل سلاح الجو السوفياتي إزعاجاً كبيراً للألمان. كان المارشال إرفين روميل، قائد الجيش الثاني المدافع عن فرنسا، والذي قضى عامين يقاتل البريطانيين والأميركيين في شمال إفريقيا، قد تعلّم بالطريقة الصعبة مدى صعوبة عمل قوات المركبات وقوافل الإمداد عندما تقصف القوات الجوية للحلفاء الطرق وخطوط السكك الحديدية. كان روميل يرى أن ألمانيا سيكون لديها 48 ساعة فقط لسحق غزو الحلفاء قبل أن يصبح وجودهم على الشاطئ قوة حقيقية، لذا كان يرى ضرورة تمركز المدرعات والدبابات بالقرب من موقع الغزو.
سيناريوهات كارثية كان من الممكن أن تغير نتائج الحرب العالمية الثانية
ربما كانت الصورة المعروفة عن هتلر أنه ديكتاتور ذو إرادة حديدية، ولكنه مع ذلك كان غير حاسم في كثير من الأحيان. وعندما اتخذ القرار الخاص بتمركز المدرعات، قسمها بين روميل، ومجموعة المدرعات الغربية واحتياطي ثالث تحت سيطرة هتلر الشخصية.
معظمها لا يمكنها التحرك دون تصريح شخصي من هتلر. وخلال الساعات الحاسمة من «يوم النصر»، عندما توسل القادة الألمان للسماح بتدخل فرق المدرعات، قيل لهم إن هتلر نائم. كانت هناك فرقة واحدة فقط، الفرقة 21 مدرعات، في الموضع المناسب لشن هجوم مضاد على موقع الإنزال خلال اليوم الأول. ومع ذلك، تمكنت من شق طريقها حتى حافة المياه.
ماذا لو انضمت ثلاث أو أربع فرق دبابات أخرى للفرقة 21 مدرعات؟ كان الحلفاء سيستعينون بدعم المدفعية البحرية؛ إذ يمكن لقذيفة مدفعية كبيرة لسفينة حربية قلب دبابة ألمانية 60 طناً من طراز Tiger رأساً على عقب. ولكنهم كانوا يفتقرون للدبابات والمدافع المضادة للدبابات، وكانت قواتهم غير منظمة خلال عمليات الإنزال، ولم يكن لديهم الوقت الكافي لتحصين وتأمين مواقعهم.
فكرة تمركز مجموعة المدرعات الغربية لتكون احتياطي مدرعات مركزياً تبدو فكرة جيدة نظرياً، ولكن الحظر الجوي الذي فرضه الحلفاء جعل الهجوم المضاد لمسافات بعيدة في غاية الصعوبة. ومع ذلك، إذا مُنح روميل السيطرة على 10 فرق من المدرعات، كان سيتمكن من نشر بعض منها بالقرب من نورماندي وعلى استعداد للتحرك خلال ساعة واحدة. أو إذا كان هتلر استيقظ مبكراً في السادس من يونيو وسمح للمدرعات بالتحرك، لكان التاريخ تغيّر كليّاً.
لو كان الطقس سيئاً
أخطر أعداء أيزنهاور لم يكن هتلر، بل الطبيعة. لم يكن من الوارد تنفيذ عمليات إنزال برمائي ضخمة في طقس عاصف، عندما تتسبب الأمواج في انقلاب مراكب الإنزال. في الواقع، كان من المفترض أن يكون «يوم النصر» في الخامس من يونيو، ولكن الطقس السيئ أجبر أيزنهاور على تأجيله يوماً. صدقت توقعات خبراء الأرصاد الجوية لدى أيزنهاور بوجود موجة طقس جافة يوم 6 يونيو، بينما لم يتوقع خبراء الأرصاد الألمان ذلك، لذا كان الإنزال مفاجأة تكتيكية.
ولكن، ماذا لو كانت توقعات خبير الأرصاد الجوية لدى أيزنهاور خاطئة؟ ماذا لو ضربت العواصف شواطئ الغزو أثناء أو بعد عمليات الإنزال بقليل؟ يمكننا الاسترشاد للرد على تلك الأسئلة بما حدث في 19 يونيو، عندما حطمّت عاصفة قوية الكثير من قوارب الإنزال والعديد من الموانئ الصناعية في «مالبيري»، ما أدى إلى تأخير الإمدادات والتعزيزات التي كانت تحتاج إليها قوات الحلفاء بشدة. وكان ذلك بعد أسبوعين من الإنزال. لو كانت تلك العواصف متزامنة مع عمليات الإنزال، كانت ستصبح النتائج كارثية.
وكان من الممكن أن يساعد ذلك ألمانيا النازية على جعل عمليات إنزال قوات الحلفاء أكثر صعوبة.
الطائرات الألمانية
كانت القوات الجوية للحلفاء هي العنصر الحاسم في نجاح «يوم النصر». نظرياً، كان من المفترض أن تكون ألمانيا قادرة على تعزيز وتدعيم قواتها أسرع من الحلفاء. كان من المفترض أن يتمكنوا من ضخ التعزيزات والإمدادات عبر الطرق والسكك الحديدية، بينما الحلفاء، لم يكن لديهم ميناء رئيسي، وكان عليهم شحن الإمدادات بمشقة كبيرة وصولاً إلى شواطئ الغزو.
ومع ذلك، فاز الحلفاء في معركة التحصين. ولم تستطع القوات الألمانية التنقل عبر الطرق البرية خوفاً من استهداف طائرات الحلفاء لهم. وتمكنت قوات الحلفاء من قصف شبكة السكك الحديدية الفرنسية قبل شهور من الغزو. لذا، استغرقت التعزيزات الألمانية، التي تحتاج عادة إلى أيام للوصول للجبهة، أسابيع. حدث ذلك لأن القوات الجوية الألمانية كانت مستنزفة. قُتل أفضل الطيارين، وتناقصت أعداد الطائرات المقاتلة بشكل كبير، مع نقص الوقود، وتستهلك قوة المقاتلات في محاولة إيقاف هجوم قاذفات القنابل الأميركية الاستراتيجية مع السرب المرافق من طائرات Mustang وThunderbolt.
ولكن ألمانيا كان لديها «سلاح سحري». الطائرة المقاتلة Me-262، التي تحلق بسرعة أكبر من طائرات Mustangs وSpitfires بمقدار 150 ميلاً. ولكنها لم تشارك فعلياً في الحرب حتى أواخر عام 1944، بسبب إصرار هتلر على تصميمها لتكون قاذفة قنابل.
ولكن ماذا لم لو يتدخل هتلر بعناده في هذا الأمر، أو عطّل برنامج التطوير ليسمح للمقاتلات بالطيران بأعداد كبيرة في يوم النصر؟ كان أسطول قاذفات القنابل الألمانية متهالكاً بحلول صيف 1944، لذا لم يكن من المحتمل تعطيل الغزو بواسطة قاذفات القنابل. ولكن وجود عدد كبير من طائرات Me-262 كان سيجبر طائرات الحلفاء على الانسحاب، ويمكّن فرق المدرعات الألمانية من العمل في وضح النهار دون عقاب.
الغاز السام
أحد أكبر ألغاز الحرب العالمية الثانية عدم استخدام ألمانيا أو الحلفاء الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية ضد بعضهم البعض. ومع انهيار ألمانيا النازية، ازدادت احتمالات لجوء هتلر إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل.
السبب في عدم إقدامه على ذلك هو الخوف. كلا الجانبين خشي من سيناريو الحرب العالمية الأولى، بمجرد استخدام أحد الأطراف الأسلحة الكيماوية، دفع ذلك الخصوم إلى استخدامها أيضاً. واتضح لاحقاً أن غازات الأعصاب الألمانية، مثل السارين، أكثر فعالية وتأثيراً من الأسلحة الكيماوية للحلفاء، مثل غاز الخردل، ولكن الألمان لم يعلموا ذلك.
كان من الممكن أن يأتي رد الحلفاء سريعاً، إذ سارعت بريطانيا وأميركا إلى إنتاج كميات ضخمة من قنابل الجمرة الخبيثة، ولكن السؤال هو مدى تأثير غاز الأعصاب على عملية الإنزال البرمائي. أليس الإنزال على شاطئ محصّن صعباً بما يكفي؟ ما بالك مع ارتداء أقنعة الغاز؟ بالتأكيد سكون كابوساً.
أخيراً، من المهم أن نتذكر أنه حتى لو فشل «يوم النصر»، كانت الحرب ستستمر. كان هتلر يأمل في أن يدفع فشل «يوم النصر» الحلفاء للسعي نحو السلام، إلا أن الجيوش السوفياتية كانت ستواصل زحفها نحو ألمانيا، وكان الحلفاء سيشنون غزواً آخر في النهاية. كانت الحرب ستستمر حتى تُباد ألمانيا النازية.
copy short url   نسخ
24/03/2020
984