+ A
A -
غزة- رمزي محمود- الأناضول- أدى ما يعيشه سكان قطاع غزة من انعزال شبه تام عن العالم الخارجي بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 13 عاماً، إلى سلامتهم - حتى الآن - من خطر الإصابة بفيروس كورونا القاتل، لتكون غزة «المكان الأكثر أماناً في العالم». وتسود حالة من السخرية والتندّر، أوساطَ الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي في غزة، بسبب المفارقة التي أدت إلى سلامة القطاع المحاصر، المكتظ بالسكان من الفيروس الفتاك، في ظل معاناة دول عظمى. وتقول وزارة الصحة في غزة إن القطاع ما زال حتى اللحظة خالياً من الإصابات بكورونا، حيث أظهرت جميع الفحوصات المخبرية للفلسطينيين العائدين إلى القطاع نتائج سلبية (غير حاملة للمرض). وبحسب مراقبين، يرجع السبب الرئيس في ذلك إلى حالة الحصار والإغلاق الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام 2007، وقلة احتكاك مليوني إنسان يسكنون فيه بالعالم من حولهم، وحالة شبه الانعزال التي يعيشونها.
ثمرة الحصار
وعن ذلك، يقول الكاتب كامل الشامي، في مقال نشرته عدد من وسائل الإعلام المحلية في 11 مارس الجاري: «ربّ ضارة نافعة، فقد بدأ الحصار يأتي بثماره.. فلا إصابات كورونا بغزة». ويستدرك الكاتب الفلسطيني بالقول: «ولكن هناك توصيات من وزارة الصحة باتباع طرق معينة ربما تمنع الإصابة بالفيروس، إلى جانب الإجراءات الوقائية».
كما نشر رسام الكاريكاتير علاء اللقطة، في 16 من الشهر الجاري، خريطة لقطاع غزة محاطاً بجدار وأسلاك شائكة، وأسقط عليها خريطة العالم.
وأرفق الرسام الفلسطيني عبارة «العالم الآن»، حيث يرى أن دول العالم باتت بعد إغلاق حدودها لوقف انتشار وباء كورونا، تعيش ما عاشه سكان غزة منذ سنوات.
بدوره، تنبّه الناشط المصري (مقيم في الخارج) عمرو فراج، مُبكراً لهذا الأمر، فقد كتب عبر صفحته على «فيسبوك» بتاريخ 30 يناير الماضي أن «غزة هي المكان الأكثر أمناً في العالم تقريباً من الفيروس».
ونصح «فراج» سكان القطاع بأن «ما عليهم سوى إغلاق معبر رفح، وبذلك يضمنوا أن لا يدخل إليهم أحد مُصاب.. فلا مطار في غزة ولا ميناء».
المكان الأكثر أماناً
من جهتها، أوردت صحيفة «لوموند» الفرنسية، في مقال نشرته بتاريخ 9 مارس، أن قطاع غزة أصبح في زمن كورونا «أكثر الأماكن أماناً في العالم»، وذلك بسبب «الحجر الصحي المفروض عليه منذ 13 عاماً»؛ في إشارة للحصار الإسرائيلي المستمر، وسياسة إغلاق المعابر وتقييد الحركة.
وقالت الصحيفة: «من النادر أن تتاح فرصة الفرح لسكان غزة - البالغ عددهم مليوني نسمة - بفعل الحصار المفروض من إسرائيل ومصر، إلا أن سكان هذا السجن المفتوح سعيدون بما يوفره لهم الجيران من حماية، منذ انتشار فيروس كورونا بشكل خطير في جميع أنحاء الشرق الأوسط».
وكان الصحفي الإسرائيلي أوهاد حيمو، مراسل القناة 12 العبرية، قد علّق في 7 مارس على عدم وصول فيروس كورونا إلى قطاع غزة، قائلاً: «عالم غريب، أصبحت غزة حالياً أكثر الأماكن أمناً بين النهر والبحر».
وفي 10 مارس، قال عاموس هرئيل، المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» العبرية، إن سياسة «عزل غزة عن العالم تحمي القطاع حتى الآن».
إسرائيل تعيش الحصار
والخميس، قال الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، في مقال نشره في «هآرتس»، إن الإجراءات الإسرائيلية للحد من انتشار كورونا في صفوف مواطنيها ستجعل الحياة في تل أبيب تشبه «حال المحاصرين بغزة».
وأضاف ليفي: «إسرائيل تتذوق لأول مرة جزءاً بسيطاً من جهنم الذي تذيقه منذ عشرات السنين للفلسطينيين، وبسرعة مذهلة ينتقل الإسرائيليون ليعيشوا واقعاً يعرفه كل طفل فلسطيني». وتابع: «هذا نمط الحياة الاعتيادي لدى الفلسطينيين، لكن في إسرائيل تبدو الحياة وكأنها نهاية العالم».
ووجّه الصحفي الإسرائيلي، مراسل الشؤون الفلسطينية بإذاعة «صوت إسرائيل» جال بيرغر، رسالة ساخرة عبر صفحته على «تويتر»، إلى رئيس حركة «حماس» في غزة يحيى السنوار، طالب فيها السماح له بالإقامة المؤقتة في القطاع خوفاً من كورونا.
وقال بيرغر في رسالته: «هل هناك فرصة لملجأ مؤقت عندكم في غزة من الكورونا؟».
إجراءات احترازية
وبرغم ذلك، أعلنت الجهات الحكومية في غزة، منذ مطلع الشهر الجاري، خطة طوارئ تضمنت إجراءات وقائية واحترازية تحسباً لوقوع إصابات بالفيروس، كما أطلقت المؤسسات الأهلية حملات توعية وتعقيم، شملت مختلف الفئات المجتمعية والمنشآت.
وفي السياق، يقول المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، إن وزارته «تسير بخطى حثيثة وبتنسيق وشراكة مستمرّين مع منظمة الصحة العالمية، للوقاية من كورونا، وتعمل بالتوصيات التي تنشرها». ويضيف القدرة، في تصريح للأناضول، أن لدى وزارته «خطة متدحرجة وسيناريوهات واضحة للتعامل مع تطورات المراحل المختلفة للإصابة بالفيروس».
ويشير إلى أنه «حتى اللحظة نحن في المرحلة الأولى وهي الجهوزية والاستعداد، والتي تسبق تسجيل حالات الإصابة في غزة». ويكشف عن إقامة الوزارة مستشفى ميدانياً يتسع لـ 38 نزيلاً؛ لاستيعاب الحالات المصابة في حال وقوعها، يتضمن ثمانية أسرّة للعناية المركزة، وهو قابل للاتساع في حال وقوع عدد أزيَد من الإصابات. ويتابع: «جرى إعداد طواقم كبيرة استعداداً لهذا الخطر الذي بات مهدداً أساسياً للمجتمعات».
سيناريوهات عديدة
من جهته، يفيد المتحدث باسم وزارة الداخلية في غزة إياد البزم، في تصريح للأناضول، إن وزارته تُعد سيناريوهات في حال وقوع إصابات بالفيروس، ولديها خطط جاهزة لكل المراحل، دون مزيد من التفاصيل حول هذه الخطط.
ويوضح البزم أنه جرى إغلاق معابر القطاع بشكل كامل، ووضع الفلسطينيين العائدين للقطاع خلال الأيام الماضية، في الحجر الإلزامي الاحترازي كشكل من أشكال الوقاية.
ويكمل: «تم افتتاح 14 مركزاً للحجر الصحي الإلزامي للعائدين إلى القطاع عبر معبري رفح (جنوب) وبيت حانون (شمال)، وتقوم الأجهزة المختصة بتأمين هذه المراكز، وتتخذ كل إجراءات الوقاية والسلامة».
واقع صعب
وحول إمكانيات مواجهة الفيروس، يقول البزم إن «الحصار الإسرائيلي خلّف واقعاً صعباً على كافة الصّعد في غزة، وأثر على الإمكانات لدى الوزارات والمؤسسات الحكومية بشكل عام». ويتابع: «لكن في ذات الوقت يتم تسخير كل الإمكانات الموجودة لدينا، على الرغم من قلتها وضعفها، في إطار تنفيذ إجراءات الوقاية». ويوضح أن الوزارات المختصة ناشدت كل الجهات الدولية؛ من أجل تقدير الظرف الإنساني الصعب في غزة في مواجهة كورونا، والعمل على توفير الاحتياجات اللازمة في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها العالم بأسره.
copy short url   نسخ
22/03/2020
608