+ A
A -
محمد سي بشير أستاذ جامعي وباحث جزائري
اكتمل عام على انطلاق الحراك الجزائري الذي لم يتوقّف، على الرغم من ظروفٍ حاولت أن تنال من عزيمة القائمين عليه والمشاركين فيه، المرة تلو المرة، بالعمل على إسكاته أو إيقافه بكل الوسائل المتاحة، إلا أنه استمر، تمدد وصمد. وفي هذا الإطار، ما هي الرهانات التي تنتظر الحراك والآفاق المستقبلية له في حركية سيرورة التغيير في النظام والنخبة السياسية؟ في البدء، كان هناك الشك بما يمكن أن يفعله حراك ما بنظام سياسي صمد في تعزيز الفشل، بل صمّم على شكل ومضمون سياساته، رسما وأداء، بالنخبة نفسها، وبالمنهجية نفسها من دون التفكير، مجرد التفكير، بما ضاع من فرص، وما تم نهبه من أموال، بل ما تمّ إيذاء الجزائر به من طبقة سياسية فاسدة، حاولت استخدام كل المقاربات والأدوات والسياسات لتقزيم بلد كبير، يملك كل مؤهلات القيادة والريادة في إقليمين حيويين (غرب المتوسط والمنطقة الساحلية - الصحراوية). ولكن البلاد ابتليت بتلك القيادة، وكأن الوقت كان قد حان، حتما، لإيقاظ الهمم ورفض ذلك التصميم على إدامة الفشل والاستعصاء لإيجاد منطق للتحول الديمقراطي يشارك فيه الجزائريون في بناء بلادهم.
وفي تلك الظروف وفي تلك البيئة، ولد الحراك في 22 فبراير 2019 بنية إسقاط ذلك الفشل والتصميم على إدامته، مُمثّلا في عهدة خامسة لرئيسٍ توقّف عن أداء مهامه، حقيقة لا مجازا، بسبب المرض، منذ 2013، أي أساسا، قبل العهدة الرابعة التي أجمع الجزائريون في 2014 على رفضها، ولكن من دون جدوى بسبب ظروف داخلية (استمرار التعويل على الخوف من مرجعية ذاكرة المأساة الوطنية لتسعينيات القرن الماضي)، وأخرى إقليمية (تزامن ذلك مع إرهاصات الرّبيع العربي وبروز بوادر الثورات المضادة)، لتكون النتيجة عهدة وُصفت بالبيضاء نُهب فيها المال العام وعمّ الفساد، على نطاقٍ واسع لم تشهده البلاد بتاتا، مع تغيير نمط عمل النظام السياسي أدى إلى إضعاف الجهاز الاستخباراتي وإيجاد طبقة من ناهبي المال العام، تمّت تسميتها، مجازا، للتضليل، رجال أعمال، كان لهم الدور الكبير في إضاعة ما يربو عن تريليون دولار في مشاريع خيالية لم تُنجز، في مقدمتها، كما كتب صاحب هذه الكلمات، مرارا وتكرارا، في «العربي الجديد»، قبل بدء الحراك، مصانع تركيب السيارات والطريق السيار باعتبارهما أنموذجين لذلك الفساد، والتي يقبع بسببها رئيسا وزراء سابقان، وزراء، برلمانيون، ولاة (محافظو مدن) وبعض من ناهبي ذلك المال العام في السجون.
قد تكون الأهداف التي خرج بسببها الحراك، والهادفة إلى تغيير النظام وتجديد النخب، لم تتحقّق بصفة كاملة، وقد تكون الأهداف المؤسسة لعقد اجتماعي جديد لم تتجسد موصلة إلى الجزائر الجديدة التي يحلُم بها الجزائريون، طردا لشبح «الثورة المسلوبة» التي كتب عنها رئيس الجمهورية الجزائرية المؤقتة في الحرب التحريرية الكبرى (1954-1962)، فرحات عبّاس، إلا أن الحراك استطاع، في الحقيقة، إيجاد وعي لدى الجزائريين بإخراجهم من حالة الاستقالة والعزوف عن المشاركة في فهم إشكاليات المجتمع السياسية والإسهام، بالتالي، في صنع حدود التغيير الاجتماعي والمجتمعي لجزائر المستقبل.
(يتبع)
{ عن (العربي الجديد)
copy short url   نسخ
23/02/2020
107