+ A
A -
سليمان قبيلات كاتب أردني
كان متوسطو الذكاء على الدوام هم بناة الدول والأنظمة السياسية، التي يقودها أقوياء قد تكون قوتهم في مجال العقل الإبداعي السياسي.. ولأصحاب الذكاء الحاد موقع مهم في بناء الدول والأنظمة، لكن دورهم هذا لا يظهر إلا بصفته توجيها وإيحاء لمتوسط الذكاء الممسك بناصية السلطة السياسية والمالية. أي أنه فقط خادم يبدع في اجتراح المعجزات لخدمة ديمومة موقعه وحظوته من صاحب الأمر والنهي.
مهمات المبدعين في خدمة الدولة أي دولة تكمن في تطويع ملكاتهم وقدراتهم العلمية في الإدارة العامة لاستمرار هيمنة متوسط الذكاء المتربع في الأعالي.
ولأن الدولة لا تستقيم أمورها إذا ما سادها الأذكياء، فقط فهمت بما هي دولة لا تقبل حدة العقل، انه لا بد من إناطة مهمة البناء بالأذكياء وقليلي الذكاء المنسجمين والقابلين لأن يلعبوا أدوارا يرفضها العقل الذكي.
هكذا هي الأمم والشعوب على اختلاف دولها؛ استبدادية كانت أم ديمقراطية أم هي بين البينين!
كانت حدة ذكاء العقل وما تزال عدوا لاستمرار الدولة بمهماتها والمحافظة على سيرورتها وتبدلها؛ وهي استجابة طبيعية راكمتها التجربة الإنسانية في جميع مراحل الدولة انتهاء بالدولة الامة الغربية التي تقف اليوم أمام عتبة تحولات عميقة هي موضع بحث بفعل الصراع المحتدم حول شكل الدولة الغربية ومضمونها. قبل ذلك ؛ أي قبل نشوء الدولة الحديثة وثورتها البنيوية، اولت الطبقات الاجتماعية المهيمنة على الثروة ووسائل الإنتاج قيادها لبؤرة من الاذكياء المحاطين بعدد هائل من متوسطي الذكاء، الذين تفتقت عقولهم عن فكرة توسيع نفوذ الطبقات وبناء سلطة مركزية، كانوا هم رعاتها وموجهي دفّة خدماتها الداخلية.
ومع تراكم الخبرة في إدارة الدول وتوجيهها، استقرت سلطة العقل متوسط الذكاء، باستثناء إجادة اللعبة السياسية وتوزيع الأدوار بين أجنحة السلطة ومركزتها احيانا. ولعل استعراضا سريعا لأشكال الدولة الغربية، بصفتها قائدة التحولات، سيظهر أن بيسمارك وهتلر وموسوليني وستالين، على الرغم من الفروقات الشخصية بينهم، كانوا ينتمون إلى فئة متوسطي الذكاء، الذين أحدثوا آثارا كبيرة في تاريخ العالم. كان هؤلاء القادة الثلاثة محاطين بجيش من الاذكياء الطيعين الذين سخروا طاقاتهم وملكاتهم لخدمة السيد الذي لا يشتركون معه بالخصائص العقلية. فقط هي القوة واجادة اللعبة السياسية أو ما يسمى المؤامرة، كانت ميزاتهم التي رفعتهم عاليا إلى قمم السلطة الاتوتوقراطية. حال الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب ينضوي تحت هذه الفئة، وإن كانت الولايات المتحدة دولة يسود فيها نظام الديمقراطية لضبط ايقاع سياسة النخبة الحاكمة. ففي الولايات المتحدة لا يكون الرئيس الا من الحزبين اللذين أسبغا على البلاد صفة الامبراطورية المتحكمة بمفاصل النظام الدولي.
يضفي ترامب لونا فاقعا على ذكائه، يجعله شعبويا واحيانا خارجا عن مواصفات الرئاسة، خصوصا في بلد شهد تاريخه قيادة عدد من الرئاسات الذكية.
متوسطو الذكاء حاجة لا بد منها لادارة الدولة مهما كانت صفتها. فهم يسيّرون عجلة الحياة باطاعة الانظمة الادارية والحرص على انفاذها انفاذا يقترب بها من المقدّس، خصوصا في الدولة الديمقراطية الغربية. الأمر ذاته يحدث ما يشبهه في دول الاستبداد الذي يهضم اذكياء العقول ويحيلهم إلى خدم للمستبد ودولته. اذ كيف يستقيم ان يكون رأس السلطة في بلد ما خارج سياقات العصر، وحاكما لنخب مستنيرة ؟! اتقن الاستبداد السابق تاريخيا لبناء الدولة اساليب التطويع والاخضاع، فتحول أصحاب العقول المبدعة إلى مولدا لطاقة تستمد منها دولة الاستبداد قوة وطاقة لاحكام قبضتها على المجتمع. ربما كانت ضرورة تاريخية ان يتقدم متوسطو الذكاء لقيادة العالم منذ اماد تاريخية بعيدة !. وربما كان ذلك بالنسبة للتاريخ اكثر انصافا بل وإنسانية!
copy short url   نسخ
22/02/2020
1112