+ A
A -
محمد سي بشير أستاذ جامعي وباحث جزائري
تتواصل الأزمة في الجزائر، ومن فصولها أخيرا تعيين الحكومة، وهو ما يستدعي قراءةً في الموقف من كلّ الجوانب، وتأثيرات ذلك على الحراك من ناحية، وعلى الأوضاع في الجزائر من ناحية أخرى. بدايةً، يجب التّذكير بأنّ الأزمة ما زالت قائمة، ذلك أنّ الانتخابات الرئاسية التّي جرت نهاية السنة الماضية لم تؤدّ إلى الإجماع، كما أنها لم تنته إلى إنهاء الانسداد، وهو ما استدعى إشارة الرئيس المنتخب، عبد المجيد تبّون، في خطاب القسم، بل في تصريحاته الصحفية الأولى، غداة الإعلان عن نتائج تلك الانتخابات،
إلى أنّ ثمّة عرضا للسعي نحو الحوار مع الحراك، محاولة من السّلطة لمدّ اليد للجهة المقابلة من الجزائر التي لم يتمّ التوافق معها بشأن تلك الرّئاسيات، بل قاطعتها، أو عزفت عن المشاركة فيها، وهو ما تدلّ عليه الأرقام الرّسمية للمشاركة في الاقتراع الرّئاسي (مشاركة قرابة 40 % من الهيئة النّاخبة).
من نتائج ذلك الموقف أنّه تمّ اللّجوء إلى المقاربة التكنوقراطية لرفع اللّائمة عن الرئاسة وعن الحكومة، في آن، في الابتعاد عن تسييس تسمية الوزراء، أو التعيين، وفق الانتماءات السياسية، وهي محاولةٌ من الرئاسة، للقفز على المقتضى الدستوري في تشكيل الحكومة، بناءً على الأغلبية البرلمانية، بما أنّ الحزبين، صاحبي الأغلبية في الجهاز التشريعي (جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي) في مشكلة مصداقية، بما أنهما من الموالين للرئيس المستقيل والمناصرين للعهدة (الولاية) الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، التي أسقطها الحراك في إبريل الماضي.
ولكن، بالرّجوع إلى تلك التّعيينات، هل توصّلت الرّئاسة إلى الخلطة السحرية التي سترفع تحديات الإشكاليات كافّة التي تعاني منها الجزائر: على المستويين، الاقتصادي، في المحور الأول، والسياسي، في المحور الثاني؟ يحتاج الأمر، للإجابة عن هذا السّؤال، التطرّق إلى الاستراتيجيتين اللتين ستكونان، حتما، أساس خريطة طريق عمل الفريق الرئاسي والحكومي الجديدين في البلاد. وهما، أوّلا، الحوار مع الحراك، باعتباره ملفا سياسيا سيتم العمل فيه على اختيار الفاعلين، بلورة جدول أعمال الجلسات الحوارية، ثم المخارج ومقاربة تجسيدها في أرض الواقع، في حين سيكون العمل متمحورا، في الملف الآخر، الحيوي، أيضا، على الملفات الاقتصادية العاجلة، بفعل تواصل الأزمة الاقتصادية المنجرّة عن تضافر الفساد، فشل السياسة العامة الاقتصادية، واستمرار الاعتماد على الريع النفطي.
تحدّث بعضهم عن الفريق الحكومي، ووصفه بالفريق المتخصّص في ملفّات محدّدة، استجابت لضغوط عدة، منها الحراك، الظروف التي جرت فيها الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى الرّغبة في إحداث القطيعة الأولى مع السّاحة السياسية، بمعطياتٍ موروثةٍ من نظام الرّئيس السابق على أكثر من مستوى، منها النّخبة السياسية والأحزاب السياسية والأغلبية البرلمانية، وكلّها ملّفات ضاغطة، تحتاج إلى حلّ، بل حلول سريعة قد يتكفّل بها الفريق السياسي الذي سيتولى الحوار مع الحراك.
على الجانب الآخر، سيكون الفريق الحكومي على موعد حاسم ومستعجل، لرفع تحدّي الإنجاز الأوّل في المائة يوم الأولى من حكم الرّئيس عبد المجيد تبون، الذي يحتاج إلى تأكيد شرعيته، وقد يكون التّركيز، بصفة حيوية، على العملية الاتصالية التي يجب أن تتغيّر، ليبدو الفريق الحكومي مختلفا، كلّ الاختلاف، عن الممارسة السياسية وأخلاقياتها في عهد الفريق السياسي لكل المرحلة التي حكم فيها الرئيس السابق، بوتفليقة (قرابة العشرين سنة). ولعلّ الرئيس المنتخب ورئيس الحكومة تفطنا لذلك، فعينا شخصية ذات كفاءة عالية في الميدان الاتصالي لقيادة الصورة/‏‏ الشكل الذي ستكون عليه العملية الاتصالية، وهو الإعلامي ووزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، عمّار بلحيمر، مع منحه، وجوبا لتجسيد ذلك، الإمكانات والاختصاصات الكافية لقيادة تلك العملية.
كما ستكون الحكومة على موعدٍ لا يقلّ أهمّية عن العملية الاتّصالية، وهي استرجاع الثقة التي تعتبر الخطوة الأولى في مسار بناء الشرعية الجديدة.
{ عن «العربي الجديد»
copy short url   نسخ
24/01/2020
590