+ A
A -
قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، حزمة تعديلات دستورية إلى البرلمان ليسرع بذلك وتيرة إصلاح مفاجئ أعلنه الأسبوع الماضي ما يزيد التكهنات حيال مستقبله السياسي بعد انتهاء ولايته.
ويحدد مشروع القانون المرتبط بالإصلاحات الذي نشر على موقع مجلس النواب (الدوما)، بالتفاصيل سلسلة إجراءات يعزز أحدها دور البرلمان في تسمية رئيس الوزراء فيما يحد آخر ولاية الرئيس بفترتين، بدلا من فترتين متتاليتين.
وبين الإجراءات أيضا قيام الرئيس بإنشاء مجلس دولة يكلف بحسب مشروع القانون، «تحديد أبرز توجهات السياسة الداخلية والخارجية في الاتحاد الروسي»، و«المجالات الأكثر أهمية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية» للبلاد.
وكان بوتين أثار مفاجأة كبرى الأسبوع الماضي في خطابه أمام البرلمان عبر إعلانه هذه التعديلات الدستورية التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف وحكومته.
وعزا هذا الأمر آنذاك إلى واقع «ظهور طلب تغيير بوضوح من داخل المجتمع» الروسي وعين سريعا رئيس وزراء جديدا هو ميخائيل ميشوستين وهو موظف رسمي رفيع المستوى لكنه غير معروف للشعب الروسي.
لكن هذا الإصلاح المعلن أثار تكهنات حول المستقبل السياسي لبوتين بعد انتهاء ولايته عام 2024، إذ لا يحق له نظريا الترشح بعدها.
إصلاح النظام
وعبر تقديمه الاثنين التعديلات الدستورية التي اقترحها، فاجأ الرئيس الروسي مرة جديدة الجميع فيما شكلت مجموعة عمل لدرس هذا الموضوع الأسبوع الماضي.
وأعلن فياتشيسلاف فولودين رئيس الدوما أن اللجنة البرلمانية المكلفة هذه التعديلات الدستورية بدأت اجتماعاتها، وقلل من أهمية انتقاد زملائه بأنهم يتقدمون بسرعة كبرى.
وقال للصحافيين: «لقد ألقى الرئيس خطابه إلى الأمة، وكل شيء أعلن بشكل واضح ولقد تلقينا اليوم المبادرات القانونية. ماذا كان يجب أن نفعل بها، طمسها؟».
وأوضح أحد مساعديه ويدعى ايفان ملنيكوف أن اقتراحات الرئيس ستبحث خلال جلسة عامة تعقد اعتبارا من الخميس بحسب وكالة ريا نوفوستي.
وبين التغييرات الواردة في النص أن أي مرشح لانتخابات رئاسية يجب من الآن وصاعدا أن يكون عاش في روسيا خلال السنوات الـ 25 الماضية بدون الحصول على إقامة في الخارج. وأعضاء الحكومة والقضاة والنواب، لن يتمكنوا بعد الآن من حمل جنسيتين أو أن يكونوا عاشوا فترة طويلة في الخارج.
والنص الذي عرض الاثنين يبدو أيضا أنه يستبعد أي عودة إلى الكرملين بعد توقف في مهام أخرى، كما فعل بوتين عند توليه مهام رئيس الوزراء من 2008 إلى 2012 بعد ولايتين رئاسيتين متتاليتين.
وإذا كان بوتين لم يتطرق أبدا مباشرة إلى مستقبله ما بعد 2024 ولا تحدث عن خليفة محتمل له، فإن المراقبين للساحة السياسية يتفقون على القول إنه سيسعى للاحتفاظ بنفوذه.
وقال المحلل غليب بافلوفسكي: «بوتين يريد أن يكون كل شيء تحت سيطرته وبشكل سريع» مضيفا: «يريد حل كل هذه الأمور في 2020 لأنه إما يقوم بترسيخ النظام الحاكم وإما سيكون عليه الرحيل».
ويذهب البعض إلى القول إن بوتين قد يتولى دورا أعلى يتجاوز المواجهات السياسية كما فعل نور سلطان نزارباييف في كازاخستان حين اضطلع عام 2019 بدور «أبي الأمة» تاركا الرئاسة لشخصية وفية ومطيعة له. وقال الكسي نافالني أبرز معارض للكرملين الاثنين «بوتين يريد أن يكون قائدا للبلاد لمدى الحياة».
من جهته، قال معارض آخر هو ايليا ياشين إن المعارضة تنوي تنظيم تظاهرة في 29 فبراير ضد اقتراحات الرئيس. وكتب على فيسبوك: «قد تكون أكبر تظاهرة في السنوات الماضية».
وسبق أن شهدت موسكو خلال صيف 2019 أكبر حركة احتجاج روسية منذ تلك التي واكبت عودة بوتين إلى الكرملين عام 2012 رغم القمع الذي مارسته الشرطة.
ويرى خبراء أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يسعى إلى البقاء في السلطة بعد انتهاء فترته الرئاسية عام 2024.
وفي حديث مع الأناضول، يقول الأستاذ الجامعي أوكطاي طانري سفر، في جامعة الشرق الأوسط التقنية، إن وجود ميدفيديف برئاسة مجلس الوزراء وبوتين برئاسة الدولة «يشكل قيودا دستورية».
ويضيف طانري سفر: «لكن ببناء نظام وجدول زمني جديدين، يستطيع بوتين البقاء في السلطة من خلال التوفيق بين المصالح المختلفة في إطار مؤسسي جديد دون تقويض قيادته للبلاد».
وبحسب أستاذ العلاقات الدولية، فإن الهدف الرئيسي من التعديلات المقترحة من قبل بوتين، هو المحافظة على تحالفات السلطة لفترة أطول.
بدوره، يرى مسعود حقي جاسين، أستاذ القانون في جامعة يدي تبه، أن «بوتين يرغب في مواصلة إرثه السياسي بموجب دستور جديد».
ويضيف جاسين: «تشير التعديلات المقترحة إلى زيادة دور وسلطة رئيس الوزراء، لذلك أرى أن بوتين سيشغل منصب رئيس الوزراء في 2024، فيما سيتسلم ميدفيديف منصب رئيس الدولة».
ويتوقع جاسين أن يوافق الشعب الروسي على هذه التعديلات في الاستفتاء، «لأنهم يريدون أن يستمر حكم بوتين في المستقبل». ويقول إن «التوترات مع الغرب أدت إلى ظهور قومية روسية جديدة، وأرى أن شعبية الرئيس الروسي مرتفعة خاصة بين فئة الشباب».
نظام جديد
وحول منصب رئيس مجلس الوزراء، يرى طانري سفر، أنه سيتمتع في النظام الجديد بدور تقني أكثر منه سياسي، بمعنى أن «مجلس الوزراء سيعالج المسائل الفنية، بينما يتخذ الرئيس والمجلس الأمني القرارات الهامة».
ويتابع: «أعتقد أن هذا الكيان التأسيسي يشبه إلى حد كبير النظام السوفياتي، حيث كان منصب رئيس الوزراء مسؤولا عن قضايا اقتصادية وليس سياسية. كان رؤساء الوزراء يتعاملون مع المسائل المالية والتنمية الاقتصادية، بعيدا عن أي مهام سياسية أو أمنية في النظام».
ويكمل: «سوف يعمل الرئيس على تشكيل مجلس أمني على شكل مكتب سياسي، ويكون لديه بنية مشابهة لتلك التي كانت في الاتحاد السوفياتي، ولن يعتقد أحد أن لرئيس الوزراء مهام سياسية تنفيذية».
ويعتقد طانري سفر أن «بوتين لا يرغب بإعادة الحياة إلى الاتحاد السوفياتي، بل هو يرغب بتطبيق نظام أثبت فاعليته في روسيا من قبل». ويضيف: «الهدف يكمن في عدم تسييس كيان الدولة الروسية، أي أن مجلس الوزراء يعالج القضايا الفنية، والمجلس الأمني يتخذ القرارات الهامة».
موقف الغرب
في السياق ذاته، يقول طانري سفر: «أعتقد أن نية بوتين هي تشكيل إطار يمكّن روسيا من ضم دول مثل بيلاروسيا ودول أخرى محتملة ضمن النظام الجديد».
ويرجح أن تلاقي خطوة بوتين انتقادات غربية، وأن يتم اعتبارها خطوة «لا تساعد على تعزيز الديمقراطية في روسيا»، وسوف يعبّرون عن استنكارهم الحقيقي عندما «تقرر روسيا توسيع الإطار المؤسسي هذا، ليشمل الدول المجاورة».
ويتابع طانري سفر: «هنا يكمن الخطر الحقيقي. أعتقد أن على الدول الأخرى النظر في محاولات روسيا إعادة دمج دول الاتحاد السوفياتي السابق في النظام الجديد».
copy short url   نسخ
22/01/2020
403