+ A
A -
أنور الجمعاوي أستاذ وباحث جامعي تونسي
استبشر آلاف التونسيين خيرا بتولّي أستاذ القانون الدستوري، قيس سعيد، مسؤولية رئاسة الجمهورية، عقب فوزه بالدور الثاني للانتخابات الرئاسية (13 أكتوبر 2019)، وحصوله على نسبة 72 % من أصوات الناخبين، وعلّقوا آمالا كبيرة على الرّجل، باعتباره ذا خلفية ثورية، وأعلن عزمه على النهوض بالبلاد، وعلى محاربة لوبيات الفساد المالي والإداري، والانتقال بتونس من «دولة القانون إلى مجتمع القانون»، وأخبر بحرصه على اتخاذ تدابير تغييرية، تقطع مع المنظومة السياسية التقليدية قبل الثورة وبعدها، ووعد بتمكين الشباب من سلطة القرار، وتعزيز علاقات تونس، بمحيطها المتوسطي والإفريقي والعربي. ورفع الرجل في أثناء حملته الانتخابية شعار «الشعب يريد»، وهو شعار يحمل شحنةً تعبيريةً ثوريةً دالّة على ترسيخ الإرادة الشعبية في سياسة الدولة، والاستجابة لمطالب النّاس في تحقيق التنمية الشاملة، والكرامة، والرّفاه.ولكن يبدو، بعد مرور زهاء تسعين يوما من فوز سعيد بكرسي قصر قرطاج، أنّ معظم تلك الآمال لم تتحقّق، وأنّ الأوضاع في البلاد لم تتغيّر، خصوصا ما تعلّق بملفّاتٍ حيويةٍ من قبيل تمكين الشباب، وتنفيذ مخرجات العدالة الانتقالية، وتفعيل الدبلوماسية الخارجية عموما، والاقتصادية خصوصا.
مثّل الشباب نواة شعبيّة فاعلة في الحملة الانتخابيّة لقيس سعيّد، وعوّل عليهم الرّجل في نشر أفكاره الثورية وطموحه إلى التغيير، ووجد هؤلاء في استقلاله عن الطبقة السياسية السائدة، ونزاهته ونظافة يده، وسيرته الأكاديمية، ما أغراهم بالخروج، ولو نسبيّا، من معسكر مقاطعي الانتخابات إلى الانخراط في العمليّة السياسية والمساهمة الطوعية في التعريف به في الفضاء الافتراضي والمجال العام، وتقديمه للنّاس باعتباره نصير الثورة، وابن الشعب، ومرشّح الشباب. وصوّتت له شريحة الشباب بكثافة، خاصّة في الدور الثاني للانتخابات الرّئاسية، وإثر فوزه المستحقّ على منافسه نبيل القروي، توجّه عشرات الشباب سَيْرا على الأقدام من المناطق الداخلية إلى قصر قرطاج لتهنئة الرّئيس الجديد، والتعبير له عن مشاغلهم وأحلامهم ومشكلاتهم على أمل أن يكون صوتهم العالي لدى أصحاب القرار، وعلى أمل أن يبذل الجهد لإدماجهم في الحياة المهنية، ولإنقاذهم من وطأة البطالة، والتهميش، والإحساس باللاجدوى. ويبدو، بعد ثلاثة أشهر من تولّيه مقاليد الرّئاسة، أنّ حاكم قرطاج الجديد اكتفى بالتعبير عن تفهّمه مشاغل شباب تونس وتعاطفه معهم. ولم يتّخذ بعد تدابير إجرائيةً لإدماج الشباب مهنيّا وسياسيّا. ومن المفارقة هنا أنّ أغلب أعضاء الديوان الرئاسي ومستشاري الرئيس الجديد ليسوا من الشباب.
{ عن ( العربي الجديد)
copy short url   نسخ
14/01/2020
94