+ A
A -
باريس- الوطن- خديجة بركاس
داخل معسكر «مرسيليا» للاجئين في مدينة «مرسيليا» الفرنسية عالم منفصل عن ما حوله، مجتمع منفصل عن أوروبا بالكامل بكل مبادئها وشعاراتها وقوانينها، عالم له قانونه الخاص، أهم مبادئه أن اللاجئ إنسان من الدرجة الثالثة والدرجة العاشرة في بعض الأحيان، لا حقوق له ولا التزامات تجاه أبسط مطالب الإنسانية، رغم المحاولات المبذولة التي لا يمكن إنكارها لمنظمتي «الصليب الاحمر» و«المفوضية العليا لشؤون اللاجئين»، التي اعترف بها وثمنها أغلب اللاجئين الذين تقابلنا معهم داخل معسكر «مرسيليا» المعروف لدى سكانه باسم «معسكر الجحيم».
معسكر الجحيم
يقول راجح سليمان، مهاجر سوري، إن الوصول إلى أوروبا كان حلماً بالنسبة له منذ الصغر، لكنه لم يشرع في تحقيق حلمه إلا عندما اندلعت أحداث الاقتتال داخل سوريا، وهاجرت أسرته إلى الأردن، فقام بالاتفاق مع إحدى عصابات تهريب المهاجرين على تهريبه إلى أوروبا، وبعد شهور من التخفي والترحال تمكن من الوصول إلى فرنسا، إلا أن حالة الاستنفار الأمني داخل فرنسا بسبب الأحداث الإرهابية الأخيرة، تسببت في الإيقاع به وإيداعه معسكر «مرسيليا» لإيواء اللاجئين، وخلال فترة إقامته داخل المسكر البالغة حوالي شهرين، عانى من مختلف أنواع العذاب، من جوع وبرد وتعدى عناصر الأمن داخل المعسكر بالضرب على المهاجرين المتواجدين داخل المعسكر، وحرمان ومنع ابسط مستلزمات الإقامة والإعاشة مثل الفرش والأغطية، وتعرض بعض اللاجئين والمهاجرين إلى التحرش الجنسي من جانب عناصر الأمن المكلفة بحراسة المعسكر، ومن جانب المهاجرين القدامى المتواجدين داخل المعسكر، واكتشف بعد شهرين من الإقامة داخل «معسكر الجحيم» أن حلم الحياة في أوروبا تحول إلى كابوس.
ويضيف، الحياة داخل المعسكر لا إنسانية بالمرة، فلا يوجد حمامات ولا غذاء إنساني كافياً للفرد، ولا مياه نظيفة، وأي شكوى من هذه الحالة المتردية يتم الرد عليها بالضرب والتعذيب من جانب إدارة المعسكر والحراس، كما تنتشر المخدرات بشكل كبير داخل المعسكر، ويقوم الحراس ببيعها للمهاجرين، وقد توفي اكثر من عشر مهاجرين خلال الشهرين الماضيين لأسباب مختلفة، منهم من توفي بسبب المخدرات ومنهم من توفي بسبب المرض أو بسبب سوء الحالة المعيشية داخل المخيم، وبالرغم من ذلك لم يتحرك احد.
كوارث إنسانية
ويشير رباح بنشدادي مهاجر جزائري، أن أغلب سكان معسكر «مرسيليا» لإيواء اللاجئين والمهاجرين شباب بدون أسرهم –افراد- وفي شهر فبراير الماضي بدأت السلطات الأمنية الفرنسية في تسكين أسر اللاجئين الوافدين على فرنسا داخل المعسكر جنبا إلى جنب مع الشباب الأعزب أو المنفردين، وهو ما أدى إلى كوارث إنسانية، بسبب تعدي الشباب على النساء والفتيات، الأمر الذي أدى إلى مشاجرات دامية بين المهاجرين وأقارب الفتيات، فالمخيم أساساً غير مجهز لإقامة الأسر بشكل يسترهم، وعندما شكونا إلى إدارة المعسكر ردوا علينا بأن الإقامة مؤقتة لحين الانتهاء من استخراج أوراق الإقامة وتدبير سكن مناسب للاجئين وبالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين فيتم نقلهم إلى معسكرات الإدماج في المجتمع المخصصة لهم، لكن هذا لم يحدث، لأنه يتطلب سنوات لإتمامه.
أمل معدوم
ويضيف، أن «معسكر جهنم» يضم حوالي ثلاثة آلاف شخص، منهم حوالي 800 لاجئ تشكل حوالي 260 أسرة، والباقي عبارة عن مهاجرين غير شرعيين وصلوا إلى فرنسا عن طريق عصابات التهريب وتم اعتقالهم وايداعهم بالمخيم لحين إلحاقهم بمعسكرات الادماج في المجتمع وتوفير العمل والسكن لهم، ومنذ بداية عام 2015 وحتى الآن لم يتم اجلاء أي من هذه الاسر، خاصة أسر المهاجرين غير الشرعيين، وبالتالي فإن الأمل معدوم تماما في اصلاح احوال المخيم ووضع حد لمعاناة اسر اللاجئين والمهاجرين.
ويشير رامي صفوان لاجئ سوري، أن المخيم مليء بالمجرمين والخارجين عن القانون، ودائما ما تقع جرائم قتل وسرقة بالإكراه بشكل يومي داخل المعسكر، بالإضافة إلى تجارة وتداول المخدرات بشكل علني، وتشغيل اللاجئين والمهاجرين في الأعمال المنافية للآداب، وغيرها من الجرائم التي تتم بشكل علني يوميا، امام صمت وتجاهل السلطات الأمنية الفرنسية، وعجز أفراد الأمن المكلفين بحراسة المعسكر عن تأمينه، وانحصر دورهم في قمع سكان المعسكر والتعدي عليهم يوميا بشكل غير إنساني.
تعطيل الإجراءات
وتشير جولييت باردو، مديرة مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في باريس، إلى أن معسكر «مرسيليا» لإيواء اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين مؤقت، وتم إلحاق اسر اللاجئين السوريين بالمعسكر لحين تدبير أمر سكنهم الدائم في فرنسا وتدبير شؤون العمل والحياة وتقنين أوضاعهم داخل التراب الفرنسي، لكن الأحداث الإرهابية الدامية التي وقعت مؤخرا تسببت في تعطيل الإجراءات بسبب انشغال السلطات المعنية في مطاردة وحصر اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين الفارين وغير المسجلين في فرنسا، مما ضاعف الأعداد داخل جميع المخيمات والمعسكرات وبالتالي تعقدت اجراءات الاجلاء والإدماج في المجتمع، ومن المنتظر أن يتم عقد اجتماع بين المفوضية والسلطات المعنية في فرنسا خلال شهر اغسطس الجاري من اجل استعجال الاجراءات ووضع آلية سريعة لإجلاء اللاجئين والمهاجرين وتقنين أوضاعهم داخل التراب الفرنسي.
وتضيف، اما بخصوص تردي الاوضاع داخل المعسكر فالمفوضية تقدمت بأكثر من شكوى إلى السلطات المعنية، ومازلنا ننتظر الرد، ونقوم بشكل دوري بتقديم المساعدات العينية إلى سكان المخيم المتمثلة في الغذاء والكساء والدواء والأغطية وفراش النوم والمياه النقية وغيرها من المستلزمات التي يفتقرها المعسكر.
copy short url   نسخ
21/08/2016
1570