+ A
A -
محمد أحمد القابسي كاتب وأكاديمي وشاعر تونسي
انطلاقا من مفاهيم دولية، فإن الحكومة الاجتماعية هي التي تهتم بالعمل على الحد من الحالات والأوضاع التي تؤثر سلبا على رفاهية الشعب، على أساس رسم سياسة للحماية الاجتماعية، تساهم في تحقيق التنمية المستدامة والنهوض بالعدالة الاجتماعية وضمان حق الجميع في التمتع بمختلف المنافع الاجتماعية التي نصّت عليها منظومة حقوق الإنسان واتفاقية العمل الدولية عدد 101 لسنة 1952 حول المعايير الدنيا في مجال الضمان الاجتماعي. هذه الحقوق التي أقرتها كذلك الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في 2015، وتنص على «الالتزام المشترك للدول الأعضاء بوضع أنظمة وإجراءات، من أجل حماية اجتماعية شاملة ودامجة»، تأخذ بالاعتبار الخصوصيات الوطنية لكل بلد. كما يعني هذا الالتزام المشترك الاتفاق الدولي بين ممثلي الحكومات وممثلي أصحاب العمل والعمال لجميع الدول، لتوسيع أنظمة الضمان الاجتماعي لجميع شرائح المجتمع، وفقا لما نصت عليه التوصية الصادرة عن مؤتمر العمل الدولي عدد 202 لسنة 2012. وبالحفر في مصطلح الحماية الاجتماعية، فإن من مفاهيمه الأكثر تداولا السياسات الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي أو التأمين الاجتماعي أو شبكات الأمان الاجتماعي، وصولا إلى الحماية الموجهة للفئات الاجتماعية أو الأفراد الأشد فقرا أو المعرّضة للإقصاء والتهميش الاجتماعي، من خلال تمكينهم من تحويلات مالية مباشرة وتغطية صحية مجانية من الدولة. ذلك أن التقرير الدولي حول الحماية الاجتماعية الصادر عن منظمة العمل الدولية 2017 – 2019 يتضمن معطيات أساسية، منها بالخصوص أن 55 % من مجموع سكان العالم لا ينتفعون بأي من خدمات الحماية الاجتماعية، ولا تغطي أنظمة الضمان الاجتماعي التي تستجيب للمعايير الدولية إلا 29 % من سكان العالم. ويرجع التقرير ضعف التغطية بالضمان الاجتماعي إلى قلة الاستثمار في مجال الحماية الاجتماعية، وخصوصا في أفريقيا وآسيا والدول العربية.
وبالعودة إلى الراهن التونسي، دعا الشعار الذي رفعته الأحزاب الفائزة في انتخابات 2019 إلى ضرورة إرساء منظومة وطنية شاملة للحد من الفقر. ولعل هذا الشعار هو الذي أدّى إلى فوز حزب قلب تونس بالمرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية (38 مقعدا). كما حاز الشعار نفسه حيزا واسعا في البرنامج الانتخابي لحزب حركة النهضة، وهو البرنامج الذي انطلق منه رئيس الحكومة المكلف لوضع برنامج حكومته الجديدة.
ويجدر التذكير هنا بأن الدولة التونسية قد عنيت، منذ حكومة الاستقلال الأولى (1956) برئاسة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، بالملف الاجتماعي تحت عنوان «تونس الاجتماعية»، فقد وضعت هذه الحكومة منظومة اجتماعية، من مقوماتها بعث «الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي»، والذي لعب دورا كبيرا في العناية بالفئات الاجتماعية الفقيرة والمعوزة ومحدودة الدخل. كما اهتمت هذه الحكومة والحكومات التي تلتها في الجمهورية الأولى (1957 – 2011) بالفئات ذات الاحتياجات الخصوصية من حاملي الإعاقة والمعطلين من العمل والأرامل والطفولة فاقدة السند والمرأة الريفية وغيرها.
copy short url   نسخ
06/12/2019
144