+ A
A -
رجب أبوسرية كاتب فلسطيني
إن الانتفاضة الثانية، رغم أنها اندلعت بعد الاستعصاء في «كامب ديفيد»، واتضاح رفض إسرائيل الانتقال من المرحلي للدائم، أي رفضها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وسعيها إلى جعل المؤقت المتمثل بسلطة الحكم الذاتي دائما، ورغم تولي الفصائل زمام أمرها، وقيادتها بشكل خاطئ ومختلف عن الطابع الشعبي/‏ السلمي الذي كانت عليه الانتفاضة الأولى، من خلال عسكرتها، إلا أنها حققت انسحابا أحادي الجانب على رئيس حكومة إسرائيل آنذاك، أريئيل شارون، من قطاع غزة، واستمرت تقارع إسرائيل، طوال عدة سنوات، إلى أن تحول الصراع إلى سياسي، تمحور حول انتخابات العام 2006، ومن ثم فتح الصراع الداخلي على سلطة الحكم الذاتي.
في ظل نخبة الفصائل القائمة، منذ عام 2000 وحتى اللحظة، يراوح الشعب مكانه في الكفاح الشعبي، وهذا يؤكد حاجته إلى فعل ميداني يقوم باختبار نخبة الفصائل القائمة من جهة، ومن جهة ثانية، يجعل من المواجهة الميدانية المختبر الحقيقي للخلاف الداخلي، حيث يمكن من خلال التنافس على مقارعة الاحتلال إثبات أحقية هذا أو ذاك، في القيادة، أو جدارته بها، لكن ما نجم عن تشبث أركان السلطة بوهم المتحقق نتيجة الانتفاضة الثانية، وتشبت أركان خصمها بنتيجة الانتفاضة الثانية، من تحرير لغزة، وضع الطرفين الداخليين في موقعين مختلفين، ذلك أن كادر السلطة مكانه المنطقة المحررة، أي غزة، وكادر المقاومة مكانه الأرض المحتلة، أي الضفة والقدس.
المهم أنه مع التغيرات الإقليمية ومع واقع ما بعد عام 2007، وبعد انسداد الأفق تماما، حتى لدى من واصلوا المراهنة على حل أوسلو، حتى العام 2014، تزايد التوقع بالحاجة إلى انتفاضة ثالثة، يجري توقع اندلاعها في أية لحظة منذ سنوات مضت، وظهرت فعلا إرهاصاتها في أكثر من مناسبة، في هبة السكاكين، التي انخرط فيها شباب ولد ما بعد العام 1993، أي ما بعد أوسلو، شباب مستقل تنظيميا، ومنتمٍ جدا وطنيا، وفي صورة هبة الأقصى حين قاومت الجموع الشعبية بالصلاة في ساحات وجنبات المسجد الأقصى، وفرضت التراجع على الاحتلال عام 2017، الذي حاول أن يفرض البوابات الإلكترونية توطئة لفرض التقسيم المكاني والزماني للحرم الشريف.
وكل يوم ينتهك فيه المستوطنون حقوق المواطنين، ويقتل فيه جنود الاحتلال الشبان والنساء، ويقهرون فيه المعتقلين، وفي كل يوم تشن فيه طائرات إسرائيل الغارات على قطاع غزة، تتزايد فيه الكراهية ضد الاحتلال في صدور وعقول الشباب الفلسطيني، ويتراكم فيه الغضب الشعبي، وهكذا فإن «طبخة» الانتفاضة الثالثة يتم طهيها على نار مشتعلة، إلى أن تنضج، فتكون ساحتها الأساسية القدس والضفة الغربية، فيما منصات الإسناد هي غزة ومناطق الـ 48 والشتات.
في انتظار عود الثقاب الذي سيشعل الأرض المحتلة كلها، نقول إن أفضل ما يمكن للنخبة السياسية أن تفعله هو أن تتوحد وتعيد نقل مقر القيادة السياسية إلى غزة المحررة داخليا من الاحتلال، فتتحرر هي من العلاقة معه، وتحرر جموع الشعب من تبعات تلك العلاقة>
* عن صحيفة (الأيام) الفلسطينية
copy short url   نسخ
03/12/2019
166