+ A
A -
صلاح الدين الجورشي كاتب تونسي
شاركت في مؤتمر «الربيع العربي: الفرص والمخاطر والتحديات»، الذي انتظم مؤخرا بالعاصمة الأردنية عمان، وذلك بمبادرة من المركز العربي للتنمية الديمقراطية.
كان المؤتمر فرصة لتقييم مسار الثورات في هذه المنطقة بعد مرور تسع سنوات من الثورة التونسية، وقد تراوحت مداخلات المشاركين في هذه التظاهرة بين التمسك بالخيار الديمقراطي والتأكيد على مشروعية المطالبة بالتغيير السياسي والاجتماعي، وبين التساؤل حول الأسباب العميقة التي تقف وراء سلسلة الانتكاسات والإخفاقات التي منيت بها معظم الثورات العربية..
ثمن الثورات تؤكد الأوضاع التي آلت إليها تجارب كثيرة سواء في دول المنطقة أو في خارجها أن الثورات في الغالب ما تكون مكلفة، وقد تفضي أحيانا إلى دماء وحروب، تقريبا نصف ثورات العالم أو أكثر فشلت في تحقيق أهدافها وتجسيد مطالب الشعوب، كما ترتبت على الكثير منها حالات مزمنة من عدم الاستقرار استمرت سنوات طويلة، لهذا تعتبر الثورة استثناء وليست القاعدة، وهي اضطرار وليست اختيارا. فالشعوب لو خيرت بين الإصلاح والثورة لفضلت الإصلاح ولو عبر مراحل.
الثورة حراك مفاجئ مثل حالة الولادة حينما يحين موعدها لا تستأذن أحدا، سواء تهيأت لها الشعوب أو لا. لكن الثورة أيضا ليست عملية اعتباطية خارج الزمان والمكان والسياق. لا تولد الثورة بدون مقدمات وإرهاصات، فعندما يضيق مجال الفعل، وينتشر الظلم والحيف الاجتماعي، وتتجاوز القبضة الأمنية حدودها، يصبح جزءا هاما من المجتمع ينتظر الشرارة التي تدفعه نحو الانفجار، أحيانا تتمثل الشرارة في حدث معزول لكنه يتحول في لحظة ما إلى مشهد رمزي يلهم الآخرين بأن لحظة التمرد الجماعي قد حانت. ومن هنا تبدأ التداعيات تتوالى بسرعة مدهشة تتغير بموجبها أنظمة وموازين قوى. عندها يدرك الناس بكونهم يقومون بثورة.
ومع هذا الوعي يبدأ التفكير والترتيب لمرحلة جديدة في تاريخ ذلك البلد، تصعّد قيادات جديدة وتوضع أجندات تعد المواطنين بإنجازات كبرى تكون في حجم التضحيات التي قدموها أثناء الثورة. عندها تظهر جليا التحديات وصعوبات التأسيس الجديد، قد تسرق الثورة في الأثناء من قبل أعدائها، أو تنحرف عن أهدافها وتنتكس إلى الخلف وتعيد إنتاج النظام القديم بأشكال وأدوات مختلفة.
{ عن (عربي 21)
copy short url   نسخ
03/12/2019
142