+ A
A -
نادر العضياني
في هذه السلسلة من المقالات عرضنا خمسة شروط من أجل تطوير خبرة المعلم بطريقة منهجية تتبع قاعدة علمية ومازلنا نعرض جوانب الشرط الأول، وتحديداً جانب السلوكيات والإستراتيجيات الفصلية لكونها قاعدة أساسية لتدريس مُعدٍّ بشكل جيد، ولكونها مربط فرس التدريس وبيت القصيد، حيث يتعذر من دون امتلاك تلك القاعدة تطوير خبرة أيِّ معلم إلا تحت «مبدأ التجريب» القائم على الصواب والخطأ، وهذا المبدأ في مهنة، مثل: التعليم يكون أقل فاعليةً لتعدد المهارات التي تتطلبها هذه المهنة بشكل آني ومتزامن؛ مما يجعل مبدأ التجريب شيئا شبيها بحيلةِ العاجز، علماً بأن لكل قاعدة شواذ، ومن شواذها أن يكون المعلم موهوباً بالفطرة في قدرته على إيصال المعلومات، وفهم طبيعة النفوس وفي قدرته على التعامل مع العديد من العوامل المتغيرة في وقتٍ ومكان واحد.
وبما أنه ليس كلُّ معلمٍ بموهوب وهذا هو الطبيعي فإنَّا لا نتصور أن يحدث تقدّم في خبرات المعلمين بشكلٍ منهجيٍّ ووفقاً لخطٍ زمني متصاعد؛ إلا عندما نضع مقاربة علمية تدفع بالمعلمين إلى تحقيق تقدّم ملموس على صعيد خبراتهم التدريسية وبشكل دائم لا يتوقف أبداً ولو كان بحجة تحقيق الهدف المُراد؛ لكون تحقيق خبرة كافية في جوانب التدريس هدفاً ذا سقفٍ صاعد لارتباطه بالتقدم العلمي وما يطرأ على السلوك والثقافة البشرية من تغيرات وهي دائمة التغير.
عرضنا في المقال الماضي كيفية تعميق المحتوى المعرفي وتطرقنا للعناصر اللازمة لفعل ذلك، كما أشرنا في المقال الذي يسبقه إلى إشكالية التوقف عند تقديم المحتوى الجديد وعدم كسر هذا الحاجز من قبل بعض المعلمين؛ مما يجعل الطلبة في نطاق ضيق من نطاقات التفكير «المستويات الدنيا» لبلوم كالتذكر والفهم وهذا الخلل يعود لعوامل عدة من بينها عوامل ربما تكون خارج إرادة المعلم، مثل: عامل «التقييم»؛ لأن التعليم عادة يتبع التقييم ويستجيب له بالضرورة، فعندما يُركز التقييم على المهارات الدنيا من التفكير، فيجب أن لا نعتقد بأن التعليم سيهتم بما سوى ذلك، وأحياناً يكون لعوامل مثل السياسات والنظم دورٌ في ذلك؛ إلا أن العامل الأبرز هو محدودية خبرة المعلم وهذا ما يعنينا هنا بطبيعة الحال،
حتى يصل المعلم بالطالب إلى المهام المُعقدة معرفياً، تلك التي تتطلب توالد الفروض وحل المشكلات واتخاذ القرار فإنه لابد من التمرّن على عدة عناصر تشكّل مع كافة العناصر التي أوردناها سابقاً ما يُعرف «بالقاعدة جيدة الإعداد للتدريس» وهنا تُشير البحوث القائمة على التعلم من خلال حل المشكلات (جيجيلز، ودوتشي 2005) إلى أن الإستراتيجيات والسلوكيات النوعية المصاحبة لهذه الأجزاء من الدرس المخصصة لتطبيق المعرفة التي اكتسبوها تتضمن ما يلي:
} تقسيم الطلاب وإعدادهم للمهام المعقدة معرفياً، كأن يقسّم المعلم طلابه إلى مجموعات صغيرة لتيسير قيامهم بالمهام المعقدة معرفياً وهنا يرسخ المعلم لطلابه الحاجة إلى توليد الفروض واختبارها، ويستطيع الطلبة استخدام الأنشطة الجماعية؛ لتساعدهم على توليد الفروض واختبارها.
} إشراك الطلاب في مهام معرفية مُعقدة، تتضمن الفرضيات المتوالدة واختبارها، مثل: اتخاذ القرار، وحل المشكلات والبحث والاستقاء التجريبي، والبحث عن المعرفة، وهنا أود أن اُشير إلى أهمية أن يُيسّر المعلم للطلاب توليد فروضهم الذاتية أو الجماعية وكذلك للمهام التي يقومون بها ثم يختبرون تلك الفروض على أن يستطيع الطلاب عندما يطلب منهم شرح الفرضيات، إما بتأكيدها أو عدم تأكيدها وكذلك يستطيع الطلاب عندما يطلب منهم تفسير الفرضيات التي يقومون باختبارها أن يفسروها ويستطيعوا أن يبينوا ببراعة أنهم يستطيعون الاندماج في عمليات اتخاذ القرار وحل المشكلات وأجراء بحث أو استقصاء.
} توفير المصادر والإرشاد اللازمين، فمثلاً؛ يجعل المعلم المصادر النوعية اللازمة للمهام المعرفية المعقدة متاحة، ويساعد الطلاب على تنفيذ مثل هذه المهام وهذا يقتضي من المعلم أن يتواجد دائما ليُمِدَّ طلابه وقتما يحتاجون بالمصادر اللازمة أو الارشاد المطلوب مثل: القيام بالجولات داخل الفصل وتوفير إتاحية سهلة وممكنة تضمن تواصل الطلاب معه، وكذلك تفاعل المعلم مع الطلاب أثناء الحصة لتحديد ما يحتاجونه لتوليد الفروض واختبار المهام ومن ذلك أيضاً يتطوع المعلم بالمصادر التي يمكنه تقديمها للفصل وبالتوجيه والإرشاد كلما احتاجه الطلاب بشكل فردي أو في مجموعات.
copy short url   نسخ
03/12/2019
592