+ A
A -
منى بابتيهمسة
لم يخطر ببالي يومًا أن أجد نفسي بين قوسين، ومع أنني لم أتأثر بلقبي بين قوسين «امرأة» الذي دونه أحدهم، لأن اللقب لا يغير معالم وجهي ولا يغير ألوان مبادئي، إلا أنه تسبب في تساقط دموعي حرقة على إنسانيتي، وتساءلت ما الفرق بين وبينك في كوني امرأة؟ وكيف يحق لنا تصنيف البشر ووضعهم بين أقواس؟ ولأن الألم في قلبي تجاوز كل ما كنت أؤمن به من أننا جميعًا بشر خلقنا متشابهين ولا نختلف عن بعضنا لمجرد وضعنا بين قوسين، أجلت الطرف في العالم من حولي فكانت المفاجأة المريرة، لقد وجدت كمًا هائلاً من الأقواس في العالم من حولنا، يطلقها من يشاء كيفما يشاء دون مراعاة لإحساس أو كسر خاطر، فكم من الأشخاص الذين وُضعوا بين قوسين، فأسرتهم الألقاب التي تم إسباغها عليهم بقيود زلزلت ثقتهم بأخيهم الإنسان.
(امرأة)، (أبيض)، (أسود)، (عربي)، (أجنبي)، (مراهق )، (نحيلة)، (بدينة)، والكثير الكثير من الألقاب التي تحاول أن تنزع منا في كل يوم الكثير من صفاتنا الجميلة، محاولة وضعنا في حدود ضيقة لا تشبهنا. أخبركم سادتي يا أصحاب الأقواس الوهمية بأن وضعنا بين قوسين لا يعد انتقاصًا لنا، فالأخلاق لا تحددها صفة أو نوع أو هوية، والمبادئ لا تتلون بألوان وجوهنا، وكلماتنا لا تتراقص حروفها على أوجه اختلافاتنا. ففي عام 1987، قامت أوبرا جايل وينفري خلال برنامجها التلفزيوني المباشر، بتجربة غريبة على الهواء، حيث طلبت من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الملونة مغادرة القاعة، بدت الدهشة على وجوه الحاضرين، وأخذوا ينظرون إلى وجوه بعضهم بعضا، ومن ثم بدأ الجميع بمغادرة القاعة، وبقوا في الخارج بانتظار معرفة السبب الذي دفع «اوبرا وينفري» إلى القيام بمثل هذا التصرف، وما هي إلا دقائق حتى طلبت «أوبرا» منهم العودة إلى مقاعدهم، وبدأت بطرح الأسئلة عليهم، فكانت إجاباتهم جميعًا متشابهة، لقد شعروا بأنه قد تم وضعهم بين قوسين لمجرد أنهم يملكون بشرة بيضاء أو عيونا ملونة، وساد القاعة جو مشحون بالمشاعر السلبية، حتى انتفضت إحداهن قائلة: «إن مجرد طرح الفكرة أمر غير مقبول، فالبشر ألوان وأشكال، ولا يجوز استخدام لوننا، أو شكلنا، أو عرقنا.. للتمييز بيننا».
ربما حاولت أوبرا وينفري إيصال فكرة قيمة لنا من خلال هذا التصرف، ولكننا ومنذ أكثر من ألف وأربعمائة عام أطلقنا في العالم رسالة باسم الإسلام: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، [الحجرات: 13].
فلنحاول أن نغير طريقة تفكيرنا ببعضنا البعض، فكلنا بشر لا فرق بين امرأة أو رجل، وإن استمرارنا باعتماد سياسة الأقواس القائمة على التصنيف وفقًا للشكل أو اللون، نمط الحياة أوطريقة التفكير، ستدمر أجمل ما فينا، ستدمر وجهنا البشري، فلا تحزن سيدي القارئ لو تم وضعك بين قوسين، فهذا لا يخفي وجهك الحقيقي.
كاتبة لبنانية
copy short url   نسخ
23/11/2019
1189