+ A
A -
جمال الهواري كاتب وصحفي مصري
الإعلان الأميركي على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو الإثنين أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير متسقة مع القانون الدولي وإنه بعد دراسة جميع جوانب النقاش القانوني بعناية توافق هذه الإدارة على أن إقامة مستوطنات مدنية إسرائيلية في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون، جاء هذا الإعلان لتأكيد ما هو معلوم بالضرورة أن الولايات المتحدة لم تعد وسيط كما كانت تدعي على مدار عدة عقود وإنما حليف لإسرائيل يسعى لتحقيق أمانيها وأحلامها وسحق الحقوق العربية حتى البسيط منها وما ضمنت الولايات المتحدة نفسها والهيئات والمنظمات الدولية المختلفة عدم المساس به من قبل.
منذ فرض الولايات المتحدة الأميركية لنفسها كقوة عظمى إبان الحرب العالمية الثانية وجاء إعلانها هذا واضحًا بحسم الجيش الأميركي بالشراكة مع الجيش الأحمر السوفياتي للحرب على الساحة الأوروبية واقتسام ألمانيا وإجبار اليابان على الاستسلام بقصف هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية بالتزامن مع الغزو السوفياتي لإقليم منشوريا في الأسبوع نفسه من أغسطس 1945 وقيام دولة إسرائيل في 1948 ووقوف الولايات المتحدة بكل ما أوتيت من قوة لتدعيم إسرائيل وضمان بقائها وتمددها ووقوف الاتحاد السوفياتي بجانب الدول العربية حسب ما فرضته المصلحة وأبجدية وبديهية التنافس الأميركي- السوفياتي مرورًا بالحرب الباردة حتى انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991 وقدوم مئات الآلاف من اليهود من جمهورياته المختلفة إلى دولة الاحتلال ثم تربع الولايات المتحدة كقطب أوحد على الساحة الدولية تتغير سياساتها وأساليبها حسب الحاجة والمصلحة إلا في ما يخص إسرائيل ويتفق معها في هذا حتى خصومها وعلى رأسهم روسيا ويتعهد بالحفاظ على أمنها القاطن في البيت الأبيض سواء جاء من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي أو كان أبيض من أصل أوروبي أو ذوي البشرة السمراء أو حتى من الهنود الحمر وأن ساكن الكرملين قد يختلف مع وجهة النظر والتوجه الأميركي في كل شيء وأي مكان ولكن يتفق معه ويكمل دوره في كثير من الأحيان عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
القرار الأميركي رغم رمزيته لكنه يحمل دلالات كثيرة أخطرها هو الانحدار غير المسبوق في الموقف الأميركي في عهد الرئيس ترامب عن سابقيه ويبدو أن إداراته تخطط لجعل كل مستوطنة في الضفة الغربية والبالغ عددها 130 مستوطنة رسمية -حسب وجهة النظر الإسرائيلية- ومثلها غير رسمي موضع نقاش وجدل ومفاوضات ضمن مخطط مرسوم بدقة لتصبح المفاوضات هي الطريق الوحيد واللامنتهي أمام الفلسطينيين، فمن المطالبات بكامل فلسطين من 1948 وحتى السبعينيات ثم عودة الوضع إلى ما قبل 5 يونيو 1967 منذ السبعينيات وحتى التسعينيات ثم المطالبة بتطبيق بنود اتفاق أوسلو 1993 منذ توقيعه وحتى يومنا هذا رغم تضمن بنوده على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بسيادة إسرائيل على 78 % من مساحة فلسطين التاريخية ثم إعلان الرئيس دونالد ترامب غير المسبوق في فبراير 2017 وبعد شهر واحد من توليه الحكم أن واشنطن لم تعد متمسكة بحل الدولتين في نسف صريح للنهج السياسي والدبلوماسي الأميركي المتخفي خلف قناع الوسيط واعترافه الكارثي بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017 ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس في مايو 2018 بالتزامن مع الذكرى السبعين للنكبة واستشهاد عشرات الفلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي على حدود قطاع غزة وقطع الدعم عن الأونروا وإغلاق مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن ثم مكتب القنصلية الأميركية لشؤون فلسطين في القدس وضمه للسفارة الأميركية ثم مايو 2019 وإعلان كوشنر صهر ومستشار ترامب تجنب ذكر حل الدولتين وإعلان السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان حق إسرائيل في ضم اجزاء من الضفة الغربية المحتلة ووصولًا لإعلان بومبيو الأخير والذي يبدو أنه قد جاء بمثابة مصلحة متبادلة لحشد اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لمؤازرة ترامب الذي بات في وضع لا يحسد عليه سواء بالمضي قدمًا في إجراءات عزله أو انخفاض حظوظه في الانتخابات المقبلة في «2020».
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
22/11/2019
640