+ A
A -
المهدي مبروك وزير الثقافة التونسي الأسبق
ان الشريك السياسي الآخر المحتمل لحركة «النهضة»، أي حركة الشعب، فإنه لم يشذ عن استراتيجية التفاوض التي يعتقد فيها أن التحالف مع «النهضة» يقتضي اعتراف الأخيرة بأنها ساهمت في تحريف مسار الثورة بتحالفها مع رموز النظام القديم، والانقلاب على أهدافها، وهي جزء من منظومة الفشل، وتوغل في المساومة، حين تدعوها إلى التخلي عن الشرعية الانتخابية، والذهاب، مستسلمة، تحت واقع فوز هزيل، إلى ما تسميها «حكومة الرئيس»، وذلك ما قد يبدو، لدى بعضهم، قفزا على ما ينص عليه الدستور، في هذه الحالة التي يكلف فيها الرئيس الحزب الفائز بتشكيل حكومة. وتنكر حركة الشعب أن سلوكها السياسي هذا انقلاب على الشرعية الانتخابية، وتصرّ على أن الدستور التونسي، وهو يستعرض هذه الإمكانية، نص صراحة على أن يتولّى الرئيس هذه المهمة، فلم هدر الجهد والوقت؟ على الرغم من تصريحات «النهضة» بأنها لن تقبل مشاركة سياسية لحلفاء يصرّون على إجراء ما يشبه محاكماتٍ شعبية لها، فإنها تلقت منهم الرسائل واضحة، وهو ما دفعها إلى إصدار بياناتٍ إلى الرأي العام، في كل مرة تلتقيهم، وهو سلوكٌ جديدٌ مختلفٌ تماما، عما حدث سنة 2011 التي كانت فيها المفاوضات في غرف مغلقة، لم تنته تفاصيلها. تبدو «النهضة» هذه المرة أكثر تواضعا ومهنية في التعامل مع شركائها المحتملين، وتأخذهم على محمل الجد، وهي بذلك تظهر للرأي العام أنها تثمّن شركاءها وتقدّرهم حق قدرهم. في حين يصرّ هؤلاء على أنهم أرغموا «النهضة»، وحال انتصارها على ذلك الضعف والهوان، أن تتخلّى عن فكرة «الحزب الكبير»، فهي لا تفوقهم إلا بفواصل صغيرة. لقد حرص الشركاء المحتملون على تطوير استراتيجية تفاوض قائمة على التصلب والمساومة والتنسيق مع بعضهم بعضا، حتى لا تستفرد «النهضة» بهم، كما يقولون، في إحالةٍ على مفاوضات 2011 التي أجرتها الحركة آنذاك مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات.
ومعهما شكلت آنذاك «الترويكا»، أي ثالوث الحكم الذي خرج بعد سنتين، إثر أزمة سياسية حادّة، نجمت عن الاغتيالات السياسية التي حدثت في عهدها تحديدا.
تفاوض «النهضة» تحت أربعة إكراهات، هي بمثابة خصوم أو أقسى من ذلك: النسب الضعيفة التي فازت بها. خصومها المتشدّدون، طورا تحت إملاءات الأيدولوجية وطورا آخر تحت إملاءات التشفي والعناد، ولو على حساب استقرار البلد. سياق دولي يراقب ما يجري بحذر كثير في سياقٍ تتجدّد فيه موجات الربيع العربي التي لا أحد ينكر أن تونس ما زالت تلهمه، حتى بعد كل هذه الإخفاقات. وأخيرا قواعدها التي تريد أن تحكم، مهما كان الثمن، وهي تصر على ذلك، تحت قصف حربٍ إلكترونية، تخاض ضمن قواعد الإذلال المتبادل، خصوصا أن صوتها يجد صداه، حتى في طيف واسع من القيادات التي، لسبب أو لآخر، تدفع باتجاه مقولة «النهضة» إلى الحكم مهما كان الثمن.
انعقد يوم الأحد الماضي (10 نوفمبر) مجلس شورى النهضة تحت ضغط هذه الإملاءات، في فرصة أخيرة ستحدد فيها موقفها من رئيس الحكومة التي عليها أن تقدّمه إلى رئيس الجمهورية خلال أيام، خصوصا أن الجلسة الأولى لمجلس النواب ستكون يوم الاربعاء المقبل (13 نوفمبر الجاري).
توحي أكثر المؤشرات بأن «النهضة» ربما تخلت عن تمسّكها بأن يكون رئيس الحكومة منها، والأقرب أن تذهب إلى تعيين أحد الأصدقاء، ممن تتوفر فيهم شروط النزاهة والمشاركة ماضيا في معركة الديمقراطية والتأسيس معا، ولكن لا يقاسمها بالضرورة الخلفية الأيدولوجية، من دون أن يكون استئصاليا أو إقصائيا.. والأرجح أن تعدِل عن تعيين أحد قادتها، حتى ولو كان رئيسها، راشد الغنوشي، رئيسا للحكومة. وبذلك تستجيب لبعض شروط شركائها المحتملين، فتوسع آنذاك من إمكانات الانضمام إلى الحكومة، ما يوفر قاعدة سياسية أوسع تؤمّن استقرارها، إلا إذا كان لهؤلاء رأي آخر. آنذاك، قد يبدو الذهاب إلى انتخابات مبكرة الأقرب، على الرغم من تكلفته السياسية الباهظة.
copy short url   نسخ
12/11/2019
163