+ A
A -
وائل نجم كاتب وباحث لبناني
الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في لبنان على خلفية رفض الشعب فرض مزيد من الضرائب والرسوم عليه في موازنة العام 2020 أطلق بعضهم عليها تسمية الثورة، وأبرز ما فيها لم يعتد عليه اللبنانيون منذ فترة طويلة، وفاجأ الطبقة السياسية الحاكمة، بل فاجأ العالم وقسماً من اللبنانيين أنفسهم، أنها كانت انتفاضة شاملة وعفوية في بدايتها، عابرة كل الطوائف والمذاهب والمناطق والقوى السياسية، طالبت برحيل الطبقة السياسية كلها، وإسقاط النظام الذي حمّله المتظاهرون مع الطبقة الحاكمة، المسؤولية عن الفساد، وعما آلت إليه الأمور في البلاد على المستويين، الاقتصادي والاجتماعي. وقد أرعب هذا المشهد والمطلب كل القوى السياسية ابتداءً، وجعلها تنكفئ عن المشهد الإعلامي، وتبحث لنفسها عن طوق نجاة من مطالب المتظاهرين الذين صمدوا في الساحات أسبوعين، كانت السلطة تراهن خلال أيامهما على تعب المتظاهرين، وانكفائهم إلى بيوتهم ومنازلهم، ومن ثم عودة المشهد إلى ما كان عليه قبل انتفاضتهم، إلا أن صمودهم حقّق لهم بعض الإنجازات، ربما لم تكن على مستوى طموحاتهم، ففرض على الحكومة أولاً إقرار ورقة اقتصادية اجتماعية (اجتماع الحكومة 19/10/2019) تضمّنت أبرز المطالب الشعبية، وفي مقدمها عدم فرض ضرائب، وموازنة للعام 2020 مستوى العجز فيها أقل من 1%. وقد شكّك المتظاهرون بجدّية هذه الورقة، كما شكّكوا بقدرة الحكومة على تنفيذها، ولذلك رفضها المتظاهرون، وأصرّوا على التمسك بالساحات، كما بمطلبهم الأساسي، وهو رحيل الطبقة السياسية. وقد حقق لهم الصمود الثاني مطلب إرغام رئيس الحكومة على تقديم استقالة حكومته تحت ضغط الشارع (29/10/2019)، وكان هذا إنجازاً جديداً للانتفاضة، ولكنه وضعها أمام تحدّيات جديدة وخطيرة، وتنذر بإعادة الأمور إلى المربع الأول، إذا لم تستدرك الانتفاضة مخاطر تلك التحدّيات، والتي يمكن إيجاز أبرزها بالتالي: تحدّي الاتفاق على مطلب واحد ورسم خطة واضحة لتحقيقه. وهنا برز وما زال التناقض أو التباين بين المشاركين والفاعلين في الانتفاضة، فبعضهم لا يزال يتمسّك بمطلب إسقاط النظام، من أجل تشكيل نظام سياسي جديد في لبنان يختلف بنيوياً عن النظام الحالي القائم على المحاصصة الطائفية. وقد يبدو هذا المطلب صعباً في بلد مركب من مزيجٍ من «الأقليات»، ولكنه أمام مآسي الناس وأزماتهم التي يكتوون بها جرّاء ما أفرزه وأورثه هذا النظام، يبقى أمراً متاحاً وممكناً. أما القسم الآخر من المشاركين والفاعلين، فإنهم رفعوا مطلب تشكيل حكومة جديدة يكون وزراؤها من أصحاب الاختصاص، بمعنى أن هؤلاء ليست لديهم مشكلة مع النظام القائم، إنما مشكلتهم مع الحكومة وسياستها.
وبالتالي، بدت المساحة شاسعة بين أصحاب المطلب الأول وأصحاب المطلب الآخر الذين تركّز جهدهم وعملهم بعد استقالة الحكومة على تشكيل حكومة الأخصائيين. وهنا يبدو التحدّي الأول الذي شطر الانتفاضة إلى شطرين، وجعل زخمها يتراجع عمّا كانت عليه سوى في بعض المدن والساحات التي ما تزال ملتهبة.
{ عن (العربي الجديد)
copy short url   نسخ
12/11/2019
168