+ A
A -
فلسطين - الوطن - أمين بركة
منذ اتفاقات أوسلو، قبل ربع قرن من الآن، كانت الآمال كبيرة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خاصة في السنوات الأولى بعيد توقيع الاتفاق برعاية أميركية، إلا أن الوقائع تشير إلى أن السلام أصبح سرابا وأنه لا آمال في تحقيقه. ويؤكد متابعون ومراقبون على أن السنوات الفائتة أثبتت أن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يزال داخل النفق المظلم خاصة في ظل التعنت الإسرائيلي في إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، بالإضافة إلى الإجراءات القمعية التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الفلسطينيين، بالإضافة إلى الانحياز الأميركي الفاضح إلى سلطات الاحتلال.
قصة ضياع
وبالعودة إلى قصة المفاوضات، فإنها سجلت -منذ توقيع أوسلو- لقاءات طويلة لا تعد ولا تحصى، وخلال تلك الأعوام المديدة راوغت إسرائيل مرارا وتكرارا من أجل إفشال حل الدولتين.
وأيضا خلال تلك السنوات نقلت إسرائيل مساحات من الأراضي لسيطرة السلطة الفلسطينية وأطلق عليها مناطق «ج»، كما أطلقت سراح أسرى فلسطينيين، وتم تحديد مواعيد محددة لتنفيذ الاتفاق النهائي ورغم كل هذا استمرت المفاوضات ومن ثم تم الإعلان عن إفشالها. كما خصصت إسرائيل 42% من أراضي الضفة للتوسع الاستيطاني، من ضمنها 62% من أراضي مناطق «ج»، فيما ارتفع عدد المستوطنين من 111 ألفا إلى 750 ألفا بعد توقيع الاتفاقية.
كما أن الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب اعترفت بمدينة القدس عاصمة للكيان، وقامت بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وتسعى الآن إلى تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» في مسعى منها لتمرير ما يسمى بـ «صفقة القرن» التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
لكن؛ في مقابل العنجهية الإسرائيلية تطورت قدرات المقاومة الفلسطينية خاصة في قطاع غزة، كما أن السلطة الفلسطينية نجحت في الحصول على عضوية بصفة مراقب في هيئة الأمم المتحدة، الأمر الذي عده الكثيرون بأنه النجاح الوحيد الذي حققته السلطة الفلسطينية العتيدة على مدار سنوات عمرها.
ووسط ذلك يتساءل الشعب الفلسطيني: إلى متى ستظل السلطة الفلسطينية تستجدي المفاوضات في ظل استفحال الاستيطان في مدن الضفة الغربية المحتلة، وإحكام إسرائيل سيطرتها على مدينة القدس المحتلة، وازدياد الاعتداءات القمعية ضد الفلسطينيين، وتجميع الفلسطينيين للعيش في كنتونات محاطة ومسيطر عليها، والاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية؟
ورغم المحاولات المستميتة من قبل بعض دول العالم من أجل إعادة إحياء عملية السلام؛ إلا أن بادرة إسرائيلية من هذا القبيل لم تتحقق؛ فالاستيطان يستفحل، ومدينة القدس تئن تحت التهويد، وقطاع غزة محاصر، و6 آلاف أسير يقبعون في سجون الاحتلال، والآلاف من فلسطيني الداخل المحتل يعانون من الإجراءات العنصرية بحقهم.
وتعد أوسلو التي تم توقيعها في 13 سبتمبر 1993، أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية إنذاك محمود عباس وبحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.
ورغم أن التفاوض بشأن الاتفاقية تم في أوسلو بالنرويج، إلا أن التوقيع جرى في واشنطن بالولايات المتحدة، برعاية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.
وتنص الاتفاقية على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية «أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية»، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لإتمامها في أقرب وقت ممكن، بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية. كما نصت الاتفاقية، على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين.
ووفقا للاتفاق فقد قسمت المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1967 إداريا وأمنيا إلى «أ» و«ب» و«ج»، لكن مدينة القدس لم تدخل في تلك المعادلة، حيث نص الاتفاق أن تغطي هذه المفاوضات بعد انقضاء ثلاث سنوات القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين، وما يجده الطرفان من قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك، وكل ذلك سيتم بحثه استنادا إلى قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.
وبالنسبة للأمن؛ فقد تم الاتفاق على إنشاء قوة شرطة فلسطينية «قوية»، من أجل ضمان النظام العام في الضفة وغزة، بينما لن يكون الأمن الخارجي والعلاقات الخارجية والمستوطنات من مهام السلطة في المناطق التي سينسحب الجيش الإسرائيلي منها.
سقوط مدو
ولاقى هذا الاتفاق معارضة كبيرة من قبل الفلسطينيين لاسيما حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذي عدته بأنه سقط سقوطا مدويا لعدم تحقق أهدافه الأساسية، وأنه مثل بداية المنحنى بالتفريط في حقوقنا الوطنية الثابتة، وكان بمثابة جريمة سياسية ونضالية بحق وطننا المحتل، واستهانة بدماء الشهداء الذين ارتقوا دفاعا عن ترابنا المقدس.
وقال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية «حماس» رأفت مرة إن اتفاق أوسلو منح الكيان الصهيوني كل ما يحتاج إليه، وحقق له الأهداف الاستراتيجية التي كان يسعى إلى تحقيقها، وأهمها الاعتراف بوجوده وحمايته أمنيا.
وأكد مرة أن أوسلو بعد 25 عاما على توقيعه وفر للاحتلال عناصر قوة كبيرة دفعته للإطاحة بكل التعهدات وأهمها مفاوضات المرحلة الانتقالية والمرحلة النهائية.
وبين أن الاحتلال استغل الاعتراف به من أجل مزيد من تحقيق المكاسب، فصادر الأراضي وأقام المستوطنات وأعاد احتلال المناطق التي خرج منها، ووسع عدوانه على الفلسطينيين.. متابعا «أبقى الاحتلال فقط على التنسيق الأمني الذي يخدم مصلحته، وبالتالي تحولت السلطة الفلسطينية إلى خادم عند الاحتلال تعمل ضد مصالح الشعب الفلسطيني وأهدافه».
وشدد القيادي في حركة حماس أن شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج والغالبية العظمى من قواه ومؤسساته تقف اليوم ضد اتفاق أوسلو، رافضة له ولنتائجه الكارثية.. مضيفا «أن اتفاق أوسلو ونهج المفاوضات، شجع الاحتلال على المضي قدما في تكريس احتلاله وسيطرته، وهو الذي أفرز صفقة القرن وما لحقها من قرارات أميركية استهدفت القدس واللاجئين».
ولفت إلى أن الرد الفلسطيني العملي على الاتفاق يكون من خلال دعم المقاومة وتعزيز الصمود وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.. داعيا إلى بناء جبهة وطنية داخلية قوية على قاعدة الصمود والمقاومة، ووقف العقوبات الظالمة على قطاع غزة، والتمسك بقضية اللاجئين الفلسطينيين وبحق العودة.
استغلال إسرائيلي
بدوره، وصف مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) هاني المصري الاثنين، نتائج اتفاق «أوسلو» الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل برعاية أميركية بالكارثية.. لافتا إلى أن «الأعمال بنتائجها، والنتائج الماثلة أمامنا بعد ربع قرن على اتفاق أوسلو، لا مجال للخطأ في الحكم عليها بأنها كارثية». وقال: «بات السلام أبعد مما كان، وبتنا أقرب بكثير إلى إقامة إسرائيل الكبرى من تجسيد الدولة الفلسطينية».. مضيفا «السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستكون الأمور أسوأ إذا لم نوقع على أوسلو؟ لا أعتقد ذلك أبدا. فليس هناك ما هو أسوأ مما وصلنا إليه بعد 25 عاما على الاتفاق».
وتعد الخطة الأميركية للسلام والمعروفة بـ «صفقة القرن» مجموعة سياسات تعمل الإدارة الأميركية الحالية على تطبيقها حاليا-رغم عدم الإعلان عنها حتى اللحظة-. وتشمل هذه السياسات إنهاء ملفات المرحلة النهائية للتفاوض بين منظمة التحرير وإسرائيل والمتبقية من اتفاقية أوسلو الموقعة في 13 سبتمبر 1993.
والملفات هي: (القدس وحق العودة واللاجئين والاستيطان والحدود والدولة)، وتؤكد السياسات الأميركية أنها تتطابق مع الرؤية اليمينية الإسرائيلية في حسم الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وكان ترامب أعلن عن «إزاحة وشطب» القدس عن طاولة المفاوضات-المتوقفة من 2014-ونقل سفارة بلاده إليها وإعلانها عاصمة للكيان الإسرائيلي. كما بدأ بإجراءاته لإنهاء الشاهد الأخير على قضية اللجوء عبر تقليص المساعدات الأميركية المقدمة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
من ناحيته، قال الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة: «إنه لا يمكن التصدي لصفقة القرن والتمسك في الوقت نفسه باتفاق أوسلو، لأن هذه الصفقة تطال الوضع السياسي في المنطقة كلها وليس القضية الفلسطينية فقط».
وأكد حواتمة أن الخلل الأساسي هو في الانقلاب السياسي الذي قامت به القيادة الرسمية في عام 1993 على البرنامج الوطني، وذهابها منفردة إلى برنامج أوسلو... مضيفا «منذ ذلك الوقت والأوضاع تتفاقم في الحالة الفلسطينية، والكوارث تلحق بشعبنا وقضيته وحقوقه الوطنية، والحل يكون في العودة عن أوسلو وكل مترتباته والتزاماته وآلياته، ومؤسساته، لصالح البرنامج الوطني والتزاماته البديلة».
وشدد على أن «السلطة الفلسطينية رغم كل ذلك ما زالت تعطل قرارات المؤسسات الوطنية وتكتفي بالمعارضة السياسية، ولا تتقدم خطوة واحدة على الأرض للرد على الإجراءات الميدانية بإجراءات وخطوات مضادة يما فيها فك الارتباط بأوسلو وبروتوكول باريس».
وقال حواتمة «ردود الفعل على قرار ترامب بقطع المساعدات عن الأونروا واللاجئين لا تحتاج لمعارضة كلامية للصفقة، وتحتاج للاشتباك الميداني معها لتطويقها وإحباطها».
copy short url   نسخ
11/11/2019
925