+ A
A -
أنور الجمعاوي أستاذ وباحث جامعي تونسي
شغل الحديث عن المناظرة الرّئاسية بين المتنافسيْن قيس سعيد ونبيل القروي، في 11 أكتوبر الجاري، النّاس في تونس، باعتبارها أوّل مناظرة بين مترشحيْن للرّئاسة في تاريخ البلاد.
اكتسبت أهميتها من أنها مناسبة تواصل مباشر بينهما، وفرصة استعراض برامجي/‏ جِدالي بين الطرفين أمام الجمهور، وكانت مصيرية من جهة أنّها حدّدت توجّهات المتسابقين على الفوز بكرسيّ قصر قرطاج، وبيّنت تصوّر كلّ منهما لكيفّيات إدارة دواليب الرّئاسة وشؤون البلاد، ولأهمّية الحدث، تعلّقت القلوب بالمناظرة، واحتشدت لأجلها الجموع في المقاهي والساحات العامّة، وعدّل النّاس ساعاتهم على ميعادها، علّها تساعدهم في اختيار المُرشّح المناسب لرئاسة الجمهورية. ويتبيّن لمن تابع ردهات المناظرة أنّها شهدت مواقف حاسمة، صدرت من المُتناظريْن، أثّرت في السلوك الانتخابي للمشاهدين، ورجّحت كفّة قيس سعيّد على منافسه نبيل القروي.
اكتسبت فاتحة المناظرة ضربة البداية لمباراة الكلام بين الطرفين المتنافسين أهمّيتها من أنّها كلمة تقديميّة، عرّف خلالها كلّ مترشّح بنفسه، وأحدثت لدى النّاس انطباعا أوّليا عن المتسابقيْن على الرّئاسة.
بدا التفاوت بين الرجلين واضحا منذ الوهلة الأولى، قدّم قيس سعيّد نفسه بلغة عربية، مسترسلة، فصيحة، قائلا إنّه «ينتمي إلى أسرة تونسيّة، عريقة، تنقّلت بين أشهر أحياء العاصمة، وأخبر أنّه درس في أعرق مدارسها وجامعاتها، وتحصّل على شهادة الدّراسات المعمّقة في القانون الدّستوري، ودرّس القانون لما يزيد عن ثلاثين عاما في الجامعات التونسية، وله أبحاث منشورة داخل تونس وخارجها»، فظهر للنّاس في صورة مترشّح مثقف، وأكاديمي فصيح، وتونسي أصيل، متمكّن من أسباب القانون، وهي خصالٌ محمودة، يرتاح لها مُعظم التونسيين الذين يُكبرون في المثقّف فصاحته، وأصالته، وتمكّنه من المادّة القانونية. أمّا نبيل القروي، فقدّم نفسه بلهجة تونسيّة، قائلا إنّه «رجل أعمال، يملك شركات كثيرة، معتبرا نفسه مرشّحا استثنائيا»، مُردفا «لا تنتظروا منّي فصاحة مُحام، ولا معلومات مختصٍّ في القانون أو الاقتصاد.. أنا إنسان براغماتي». ومن ثمّ ظهر للمشاهدين في صورة رجل أعمال نفْعي، يُثني على نفسِه، ويتباهى بكثرة شركاته، ويُقرّ بمحدودية زاده المعرفي في مجالين حيويين (القانون، الاقتصاد)، يُفترض أن يكون رئيس الدّولة على دراية مُعتبرة بهما. وبذلك قلّل القروي، من حيث يدري أو من حيث لا يدري، من قيمته الاعتبارية في نظر الجمهور المتقبّل، وأقرّ لمنافسه بالتفوّق عليه في مستوى الفصاحة والدّراية بالقانون. وأدّى ذلك إلى ميل القلوب إلى قيس على حساب نبيل منذ ضربة البداية.
(يتبع)
{ عن "العربي الجديد"
copy short url   نسخ
22/10/2019
474