+ A
A -
حوار- أمين بركة

أكد مدير عام مركز «الزيتونة» للدراسات والاستشارات، د. محسن محمد صالح أن دولة قطر تقوم بدور رائد في دعم الشعب الفلسطيني وصموده على أرضه.
ونبه صالح خلال حوار مع الوطن إلى أن الدوحة تلعب أحد أهم الأدوار في دعم القضية الفلسطينية في شتى المحافل الدولية، ولها باع طويل في التخفيف من الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة وآثاره.
ولفت صالح إلى أن صفقة القرن التي يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تمريرها، سيكون مصيرها الفشل، كما فشلت قبلها عشرات المشاريع التي حاولت تضييع حقوق الشعب الفلسطيني. فالشعب الفلسطيني متحد ضد إنفاذ الصفقة، كما أن البيئة العربية والدولية معارضة أو غير متحمسة لها، وإن كانت تبدي بعض المجاملة للأميركان لتجنب الاصطدام معهم.
وشدد صالح على أن المنطقة العربية مرشحة للنهوض ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وبالرغم من حالات الإحباط التي نراها؛ إلا أن تجربة الربيع العربي تؤكد أن الأمة قادرة على النهوض وعمل المفاجآت وقلب الطاولة على مستبديها وفاسديها.. داعيا العرب والمسلمين إلى التوحد ونبذ الفرقة من أجل مواجهة التحديات العصيبة التي تقف أمامهم، وأن المخرج من هذا كله هو إعادة التلاحم مع الأمة وهويتها الحضارية، واحترام إرادة شعوبها، والكف عن محاربة قوى الإصلاح والتغيير، وإيجاد بيئات تعاون إيجابية بناءة مع دول المنطقة، وعدم المراهنة على الحليف الأميركي، ولا على التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. وإلى نص الحوار:
} كيف ترى تأثيرات ما يحدث في المنطقة على القضية الفلسطينية؟
-نعم بالتأكيد؛ إذ إن انشغال العرب بأزمتهم الداخلية، استنزف الكثير من الجهد والوقت والمال، وأضعف إمكانية التركيز على قضايا الأمة وهموم العرب والمسلمين الكبيرة. وجعل قضية فلسطين تتراجع في سلَّم أولويات بعض الدول، في الوقت الذي تجرى فيه محاولات إعادة توجيه بوصلة الصراع الذي تجتمع عليه الأمة ضد العدو الصهيوني إلى معارك وقضايا جانبية. وهو ما أتاح للكيان الإسرائيلي الفرصة لأن يقدم نفسه لبعض الأنظمة كشريك لمحاربة ما يسمى الإرهاب، أو كمزود بالسلاح، وتقنيات التجسس الإلكتروني، أو كشريك اقتصادي، وذلك كمدخل للتطبيع، وللالتفاف على قضية فلسطين وطي ملفها، وللاعتراف بالكيان الإسرائيلي ككيان طبيعي في المنطقة.
} ما تأثير هرولة بعض الأنظمة العربية إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي على القضية الفلسطينية؟
-للتطبيع آثار سلبية بالغة على قضية فلسطين سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية واجتماعية لا يتسع المقام لشرحها. والتطبيع هو معبر الكيان الصهيوني لأخذ الشرعية ولتحويله إلى كيان «طبيعي» في المنطقة. وتحوُّل النظرة إليه من كيان عدو غاصب لأرض عربية مسلمة مقدسة، إلى دولة جارة صديقة. وبالتالي فهو مدخل أساس لتضييع حقوق الشعب الفلسطيني وحقوق الأمة العربية والإسلامية فيها. كما أنه يضعف الموقف الفلسطيني في المقاومة والنضال لتحرير أرضه واسترجاع حقوقه. وفوق ذلك فهو يُعدُّ معبراً للكيان الصهيوني ليكون شرطي المنطقة، ولمنع وحدتها ونهضتها واستجماع أسباب قوتها.
} لماذا في نظركم لم يظهر غضب عربي بالحجم المطلوب تجاه ما يحاك ضد القضية الفلسطينية من مخططات تصفية؟
-لقد كثرت جراحات الأمة ونزيفها، وذاقت شعوبنا في بلدان عديدة أوضاعاً صعبة، وحروباً داخلية دموية، وطغياناً استبدادياً يستأسد عليها ويكسر عزتها وكرامتها، وتقتل فيها إنسانيتها وروح المبادرة، والتفاعل مع هموم الأمة...، في الوقت الذي يسترضي أعداء الأمة ومستعمريها. وكما قال الشاعر: أنَّا نظرت إلى الإسلام في بلد وجدته كالطَّير مقصوصاً جناحاه
نحن أمام مشهد مؤلم، تجتمع فيه أنظمة قمعية استبدادية، مع شعوب مُنهكة مستنزفة، محرومة من التعبير عن إرادتها الحرة. ومع ذلك فما زال في الأمة خير كثير، وما زالت الشعوب تعبّر عن نفسها بشكل قوي نُصرةً لفلسطين كلما أتيح لها ذلك، وفي كل الأماكن التي تتوافر فيها مساحات للحرية.
} هل تعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي والأميركان سينجحان في تمرير صفقة القرن؟
-لا أعتقد ذلك. ومصطلح صفقة القرن هو مصطلح مضلل، إذ إنه في الحقيقة لا توجد صفقة لأن الصفقة تعقد بين طرفين، ولا يوجد طرفان محددان معروض عليهما مشروع تسوية محدد حتى الآن. كما أن الأميركان لم يعلنوا عن بنود الصفقة ومضامينها؛ وإنما قدموا الأمر بأسلوب إعلاني تشويقي؛ وكأن قضية فلسطين المقدسة، والقضية الأكبر في التعبير عن مظلومية شعب واغتصاب أرضه وطرده منها، يتم علاجها من خلال صفقة أو فهلوة تجارية. والمتابع للسياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب وكل ما صدر من تصريحات بشأن الصفقة، يجد أن الإدارة الأميركية بروحها اليمينية المتطرفة، تنفذ برنامجاً ليكودياً إسرائيلياً لتصفية القضية الفلسطينية وفق الرؤية الصهيونية. ومنشغلة بإغلاق الملف الفلسطيني، وليس التوصل إلى حل عادل لقضية فلسطين. ومنشغلة كذلك بالالتفاف على الشعب الفلسطيني، ومحاولة إخضاعه بالأمر الواقع، من خلال برامج التطبيع مع البلدان العربية. والاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأميركية للقدس، والاعتراف بضم الجولان للكيان الصهيوني، ومحاولة إلغاء الأونروا... كلها مؤشرات على أن الطرف الأميركي غير معني بالوصول إلى تسوية سلمية متفق عليها مع الفلسطينيين أو العرب، بقدر ما هو معني بفرض الإرادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني. وبالتالي فالصفقة وفق التصور الأميركي سيكون مصيرها الفشل، وستذهب إلى مزبلة التاريخ، كما ذهب قبلها عشرات المشاريع التي حاولت تضييع حقوق الشعب الفلسطيني. فالشعب الفلسطيني متحد ضد إنفاذ الصفقة، كما أن البيئة العربية والدولية معارضة أو غير متحمسة لها، وإن كانت تبدي بعض المجاملة للأميركان لتجنب الاصطدام معهم.
} برأيك.. هل يمكن أن يستعيد العرب قدرتهم لإنهاء المخططات الخارجية التي تستهدفهم؟
-نعم بالتأكيد، فهذه المنطقة تزخر بالقدرات والكفاءات والخبرات، وتزخر بالأحرار وتيارات الإصلاح والتغيير، كما تزخر بالإمكانات والثروات. وبالتالي فهي مرشحة للنهوض ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وبالرغم من حالات الإحباط التي نراها؛ إلا أن تجربة الربيع العربي تؤكد أن الأمة قادرة على النهوض وعمل المفاجآت وقلب الطاولة على مستبديها وفاسديها. غير أن العرب بحاجة أولاً للعودة إلى دينهم وإلى هويتهم الحضارية، وإلى تقديم نموذج نهضوي جديد، وإلى تقديم خبرات وكفاءات ورموز مستعدة للصبر والتضحية في سبيل تغيير المنظومات القائمة إلى منظومات تعبر بشكل حقيقي عن إرادة شعوبها وهوية أمتها.
} كيف تنظر لمستقبل المنطقة؟
-أنا متفائل دائماً بأن أهل هذه المنطقة، بالرغم من الأزمات التي تعصف بهم، قادرون بإذن الله على تجاوزها. والمنطقة على المدى المتوسط والبعيد ستسترجع عناصر نهضتها وقوتها ووحدتها. وستعود إلى دينها وتراثها ومشروعها الحضاري.
لقد أعطت الثورات والتغيرات أو ما يعرف بالربيع العربي مؤشرات واضحة على أن موجات التغيير قادمة لا محالة، وأن الشعوب وخصوصاً أجيالها الصاعدة قادرة على مواجهة أنظمة الفساد والاستبداد وتغييرها. وعلى أن الموجة المضادة التي ضربت هذا الربيع آخذة في الانحسار والتراجع، بعد أن ضعفت واستنفذت أغراضها، وانكشفت أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما أن الأنظمة التي دعمت الموجة المضادة وأنظمة الدكتاتورية أصابها الإنهاك واستنزفت إمكاناتها الاقتصادية، بحيث لم تعد قادرة كالسابق على تمويل أنظمة الاستبداد وأدواته. لقد تجاوزت معظم قوى التغيير والإصلاح أصعب أوقات الأزمة محافظةً على أنويتها الصلبة، وتمكنت من استعادة قوتها في عدد من البلدان.
وقد أثبتت أحداث السودان والجزائر أن الشباب لم يُصب بالإحباط، وأن الشعوب ما زالت قادرة على التحشيد والتغيير وفرض إرادتها على الأنظمة السياسية القائمة. غير أننا في المقابل نؤكد أن على قوى الإصلاح والتغيير الاستفادة من دروس التجربة ومراكمتها، وتجهيز الخبرات والكفاءات اللازمة لإدارة الدولة وتقديم مشروعها الحضاري الإنساني النهضوي، وفهم سنن التغيير، وحقائق موازين القوى على الأرض، والأساليب الأنسب للتعامل مع الدولة العميقة، والتعامل الأنسب مع القوى الإقليمية والدولية. الاقتصادي. والمخرج من هذا كله هو إعادة التلاحم مع الأمة وهويتها الحضارية، واحترام إرادة شعوبها، والكف عن محاربة قوى الإصلاح والتغيير، وإيجاد بيئات تعاون إيجابية بناءة مع دول المنطقة، وعدم المراهنة على الحليف الأميركي، ولا على التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
} كيف ترى الدعم القطري لفلسطين؟
-تقوم دولة قطر بدور رائد ومميز في دعم الشعب الفلسطيني وصموده على أرضه؛ وتلعب أحد أهم الأدوار في دعم القضية الفلسطينية في كافة المحافل الدولية، ولها باع طويل في إعادة إعمار قطاع غزة، والتخفيف من الحصار وآثاره. ولها دور سياسي وإعلامي متقدم، مقارنة بغيرها، في دعم القضية الفلسطينية واحترام الإرادة الحرة للشعب الفلسطيني، في انتخاب قيادته وبناء مؤسساته الوطنية، وفي الدفاع عن نفسه بكافة الوسائل التي تؤدي لتحرير أرضه ونيل استقلاله.
copy short url   نسخ
19/10/2019
1137