+ A
A -
بينما تواصل تركيا عملياتها العسكرية شمال سوريا لتحقيق أهدافها المعلنة، تتوالى التصريحات من الأركان الأربعة للكرة الأرضية، لكن ما الأطراف الفاعلة في الصراع، ومن يملك أدوات ونفوذا فعليا لإحداث تغيير على الأرض؟ دعونا نقرأ في الحقائق حتى تتضح الصورة الكاملة.
ماذا تريد تركيا من العملية؟
بدأت تركيا عملياتها العسكرية الأربعاء الماضي 9 أكتوبر بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته المتمركزة شمال سوريا، فيما اعتُبر ضوءاً أخضر لأنقرة كي تفرض بمفردها «المنطقة الآمنة» التي كانت تجري بشأنها مفاوضات بين الطرفين منذ أشهر دون التوصل لاتفاق.
تركيا تريد إنشاء منطقة آمنة على حدودها مع سوريا بعمق 30 كيلومتراً لتحقيق هدفين تقول أنقرة إنهما في صلب أمنها القومي، أولهما إبعاد قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر عليها قوات حماية الشعب الكردية وهي الوحدات التي تصنفها تركيا منظمة إرهابية عن مواقعها على الحدود والتي تمثل خطراً أمنياً على تركيا، خصوصاً أن تلك القوات مسلحة بشكل قوي كونهم حلفاء واشنطن في الحرب على داعش منذ أكثر من أربع سنوات.
الهدف الثاني الذي تريد تركيا تحقيقه من المنطقة الآمنة هو إعادة أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري على الأراضي التركية حالياً إلى داخل بلادهم سوريا، والهدفان أعلنتهما تركيا منذ شهور طويلة، وقد أعلنت إدارة ترامب على لسان كبار مسؤوليها تفهمها للهواجس الأمنية التركية.
ماذا تريد واشنطن؟
الحقيقة أن إجابة هذا السؤال أصبحت لغزاً يعجز أي شخص عن الإجابة عنه لسبب بسيط وهو أن «واشنطن لم تعد واشنطن واحدة منذ وصول ترامب للبيت الأبيض»، فهناك واشنطن ترامب التي أعلنت سحب قواتها من شمال سوريا وتتفهم الدوافع التركية من وراء العملية العسكرية وتلقي باللوم على المسلحين الأكراد في عدم استماعهم لصوت العقل وسحب أسلحتهم الثقيلة بعيداً عن الحدود التركية.
وهناك واشنطن الكونغرس والإعلام التي ترفض العمليات العسكرية التركية وترى في قرار ترامب سحب قواته من هناك «خيانة للأكراد»، وتريد فرض عقوبات غليظة على أنقرة ووقفاً فورياً للعمليات العسكرية والانسحاب من جانب تركيا.
ماذا طلب ترامب من أردوغان؟
مع تزايد الضغوط على ترامب، قام الرئيس الأميركي بفرض عقوبات على مسؤولين أتراك ووزارتين، وهي العقوبات التي يراها المراقبون شكلية بل وتهدف بالأساس لإجهاض تحركات الكونغرس لفرض عقوبات مؤلمة على أنقرة.
وأجرى ترامب مكالمة الثلاثاء مع نظيره التركي طلب منه أمرين: الأول هو الوقف الفوري لإطلاق النار، والثاني الدخول في مفاوضات مع المسلحين الأكراد بوساطة من ترامب نفسه.
كيف رد أردوغان على طلبات ترامب؟
بحسب تليفزيون (إن.تي.في) أبلغ أردوغان ترامب بأن تركيا لن تعلن مطلقاً وقف إطلاق النار في شمال سوريا، مضيفاً للصحفيين المرافقين له في رحلة عودته من باكو عاصمة أذربيجان أنه ليس قلقاً من العقوبات الأميركية على أنقرة.
أردوغان أيضاً أبلغ ترامب بأن تركيا «لن تتفاوض مع منظمة إرهابية» رداً على عرض الرئيس الأميركي الوساطة.
ماذا عن روسيا؟
نأتي هنا للاعب الرئيسي الآخر فيما يجري على الأرض، فروسيا الحليف الرئيسي للنظام السوري والمتحدث باسمه أعلنت في وقت متأخر من الثلاثاء، والتوقيت هنا مؤشر هام لا يجب إغفاله، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث هاتفياً مع نظيره التركي أردوغان بشأن سوريا ووجه له دعوة لزيارة روسيا في الأيام القليلة المقبلة، بحسب رويترز.
الكرملين أضاف أن بوتين وأردوغان اتفقا خلال المكالمة الهاتفية على «ضمان سلامة الأراضي السورية».
وقال الكرملين في بيانه: «وجه فلاديمير بوتين الدعوة لطيب أردوغان للمجيء إلى روسيا في زيارة عمل خلال الأيام المقبلة، وقد تم قبول الدعوة»، كما جاء في البيان أن الزعيمين بحثا أيضاً الحاجة إلى تجنب حدوث مواجهات بين الجيشين التركي والسوري.
ما موقف الأطراف ذات الصلة من قضايا الصراع؟
المنطقة الحدودية في شمال سوريا كانت تتمركز فيها قوات سوريا الديمقراطية أو بمعنى أدق وحدات حماية الشعب التركية مع وجود قوات رمزية من التحالف الدولي بقيادة القوات الأميركية التي تم سحبها، ولم يكن هناك وجود لقوات النظام السوري التي تدعمها روسيا أو بشكل مباشر لا توجد قوات روسية في منطقة العمليات العسكرية.
بعد بدء العمليات العسكرية التركية وافقت القوات الكردية على انتشار القوات السورية (الروسية) إلى المناطق الحدودية وبدأت تلك القوات انتشارها بالفعل في مدينة منبج ونشر ناشطون أمس فيديوهات لتلك القوات تصاحبها عناصر من الشرطة العسكرية الروسية.
وقال التليفزيون إن أردوغان قال للصحفيين أمس إن «المحادثات مع واشنطن وموسكو بشأن مدينتي كوباني ومنبج في سوريا مستمرة»، مضيفاً أنه «ليس سلبياً» أن تدخل القوات الحكومية السورية منبج ما دام المسلحون الأكراد قد خرجوا من المنطقة.
الانسحاب الأميركي
كل تلك المعطيات وموازين القوة الفعلية على الأرض تشير إلى أن الانسحاب الأميركي من المنطقة ربما يكون عاملاً هاماً في تسريع عملية التوصل إلى حل يأخذ الهواجس الأمنية لتركيا في الاعتبار والمطالب الروسية المتمثلة في انتشار جيش النظام على كامل الأراضي السورية، حيث إن القوات الكردية أصبحت في موقف صعب بعد انسحاب حليفها الأميركي ما يجعلها أكثر مرونة في عملية التوصل لتسوية سلمية.
زيارة بوتين إلى السعودية والإمارات، من المرجح أن تكون قد تناولت الملف السوري ووضع الخطوط العريضة لإنهاء الحرب الأهلية هناك، وهو ما يجعل روسيا في موقف اللاعب الرئيسي القادر على إعطاء ضمانات لتركيا تقتنع بها، على عكس واشنطن التي لا تمتلك أي أوراق حقيقية على الأرض في سوريا ولا تمتلك حتى نفوذا مع الأكراد يمكنها من استخدامه معهم للتوصل إلى اتفاق.
لا خلاف حقيقياً بين روسيا وتركيا
الموقف إذن يتلخص في أن ما تريد تركيا تحقيقه من عمليتها العسكرية لا يتعارض مع ما يريده النظام السوري أو روسيا، فانتشار قوات النظام السوري على الحدود يعني بالضرورة عدم وجود قوات حماية الشعب الكردي في المنطقة وهو ما تسعى إليه أنقرة، كما أن روسيا لا تعارض عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بل على العكس تريد ذلك وهو أيضاً ما تريده تركيا.
وما يؤكد هذا الطرح البيان الذي أصدره الكرملين أمس، بعد الإعلان عن زيارة أردوغان لروسيا في الأيام القليلة القادمة، حيث عبر الكرملين عن «احترامه لحق أنقرة في الدفاع عن نفسها»، كما علق على العمليات العسكرية بالقول: «العملية العسكرية التركية في سوريا يجب أن تكون نسبية وألا تضر بالمسار السياسي».
لا يتبقى في معادلة الصراع سوى بقايا تنظيم داعش أو الحرب على الإرهاب وهو الهدف الذي تستخدمه جميع الأطراف عند الحديث عما يجري في سوريا، لكن من بإمكانه تحقيقه فعلاً على الأرض رهن بالترتيبات النهائية للصراع في تلك المنطقة المتشابكة الأطراف.
copy short url   نسخ
17/10/2019
934