+ A
A -
نازك شمام كاتبة وصحفية سودانية
مضى ما يقارب العشرة أشهر منذ أن بدأت الاحتجاجات الشعبية في ولايات السودان المختلفة والتي نددت وقتها بتردي الأحوال المعيشية في الثلاثين عامًا الماضية ثم انتقلت بعدها للمطالبة بإسقاط النظام الذي سقط في أبريل الماضي إيذانًا بعهدٍ جديد، هنا ارتفع سقف الطموحات والآمال لدى كل مواطنٍ سوداني بأن يشعر بتغييرٍ حقيقي ليس في الأوضاع الاقتصادية فقط، بل يطال الأمر النواحي الاجتماعية والثقافية، وأن يعيش المواطن الحرية واقعًا لا شعارًا تردده الألسن ولا أثر له على الأرضِ.
خلال الشهور التي مضت كانت حصيلة التغيير بعيدة عن الطموحات فالكل مشغول بقضايا انصرافية والكل يسعى لتصفية الحسابات الشخصية عبر إطلاق التُهم جزافًا دون دليلٍ دامغٍ، وباتت الساحة وكأنها أرضُ خصبة للشائعات، فكل خلافٍ شخصي يتحول إلى قضية رأي عام عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت معولًا هدامًا أكثر من أن تكون وسيلة للتقارب والتفاكر.
هل رمي الناس بالباطل واغتيال الشخصيات عبر دوافع شخصية هي نتائج الثورة، مع العلم بأن غبن الثلاثين عامًا الماضية لن يُمحى خلال شهرٍ أو عامٍ أو ثلاثة، ولكن هل هذا هو الطريق الأمثل للتغيير أو الحرية، وكأن الثورة لم تقم إلا لهذا الهدف، وباتت الأهداف الثانية في قائمة أخرى غير قائمة الأولويات حتى معاش الناس بات تحت شد وجذب البرامج الإسعافية ومدى مقدرتها على إسعاف الاقتصاد من أزماته المتلاحقة.
أكثر ما يثير الاستياء ويزيد من وتيرة الإحباط أن أي انتقادٍ أو محاولة الدفاع عن أي شخصٍ طالته اتهامات بدون أدلةٍ تضعك في إطار الخائن للثورة ومبادئ التغيير، ويتم تصنيفك بأنك من «فلول» النظام السابق.
خلال الأسابيع الماضية انطلقت سهام الاتهامات حول شركات وأشخاص وامتلأت وسائل الإعلام بأخبارٍ غير صحيحة تتغذى من المناخ السياسي الموغل في الضبابية، دون مشقة البحث عن دلائل دامغة قد تثبت أو تنفي التهم الموجهة، ودون مراعاة أن النصوص القانونية نصت على أن (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، ولكن لأن الجو مشبع بغيومِ الغبن والكراهية فكل تهمة قابلة للتصديق دون الحاجة إلى شواهد تدعمها، نحتاج إلى التروي في كثير من الأخبار حتى لا تجرفنا الحرية المزعومة إلى ضفة أخرى لم نكن نقصدها، ونحتاج أكثر للانشغال بأولوياتنا الاقتصادية التي كانت سببًا في التغيير.
copy short url   نسخ
16/10/2019
204