+ A
A -
سليمان قبيلات كاتب أردني
مع الوقت، يستتب التكلس مضفيا على الهيئة شكلا ومضمونا يحاكي دولة الإقطاع، بكل ما فيها من تحجر وخطاب تمجيدي للفرد المتسلط، الذي ينخر الدولة فيجهز على قواها الحية القابلة للتطور.
هذا ما يحدث منذ زمن بعيد في العالم العربي، الذي تطنب بلدانه، في تضخيم الخواء وتمجيده، لأنه الرافعة الوهمية الوحيدة المتاح خطابها للي عنق العصر وكسر مفاهيمه لمصلحة الاستبداد القرووسطي العربي.
ومن مفارقات الإدارة العربية التي تحافظ على صيغتها الإقطاعية، ان تذهب إلى مقارنة نفسها بالدولة الغربية، دون تردد أو وجل في هذه المقارنة العرجاء. هذا الزيف العلني يسنده إعلام لا يكل ولا يمل من تعظيم الخواء الذي يحتل كل الشرفات في الوعي الجمعي العربي.
مبنى ضخم تشتريه الخزينة العامة بمبلغ تفوح منه رائحة السرقة، للهيئة المبتلاة قسرا بأن تكون لسان حال الناس والمجتمع والدولة في تجسيد لكذبة الديمقراطية التي يدور حولها كلام صاخب، لا يصدقه المجتمع برمته.
وفي الأمثال الشعبية الشامية، ما يصف الحال، إذ يقول أحدها «من برا رخام ومن جوا سخام». فلا أبلغ من هذا الإيجاز الذي يعري تحنيط التخلف والفخر فيه، بصفته ولا أجمل في دولة العرب الحالية.
يعتد التخلف بنفسه فلا يرى في التاريخ إلّا صداه طريقة للحياة التي يحرص أن يكون ظاهرها عصريا، لئلا يتهم بالانتماء للماضي، الذي يقيم فيه إقامة دائمة.
فما ينقل عن بشاعة تجري وراء جدران الحكم المتخلف يحتار العقل البشري في تصنيفه: بطش وانتهاك للإنسانية. ذبح للنفس البشرية التي لا يعرف التخلف لها معنى. سرقة على رؤوس الأشهاد، وكذب فج في التمسح بالحداثة.
في الدولة الديمقراطية الحديثة يلجأ الحكم المنتخب إلى إحلال وإبدال طاقمه الذي سينفذ سياساته في مواقع صنع القرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وذلك خطوة منطقية وضرورة لا بد منها لأجل تنفيذ وعوده وبرامجه الانتخابية الحزبية التي أعلنها للعموم، وخاطب بها خصوصا ناخبيه وجمهوره، إثباتا لمصداقيته.
لا يستغني الحكم المنتخب ديمقراطيا عن الكفاءات في الجهاز الحكومي، حتى وإن كانت ذات قناعات مغايرة في صنع السياسات وتوجهات مضامينها، التي لا تتبع الهوى الفردي، ذلك أنها مع المراس التاريخي للديمقراطية تصبح مؤسسة مستقرة تلبي حاجة المجتمع والدولة، أيّاً كان شكل الحكم القائم.
في العالم الاقطاعي الذي ننتمي إليه، يحدث الإحلال والإبدال لأجل مزيد من إغراق البلاد في الجهل والتخلف، وإن بدا في ظاهره مزركشا. وفي المحصلة، نبدو وكأننا نشبه البلدان الديمقراطية، حتى في الإحلال والإبدال، لكن شتّان ما بين إحلالنا وإحلالهم. بالضبط، نحن نشبه العالم المتحضر، لكننا لا ننتمي إليه.
copy short url   نسخ
21/09/2019
1781