+ A
A -
عيسى الشعيبي كاتب وصحفي من الأردن
مع أن حسابات بنيامين نتانياهو الانتخابية حاضرةٌ بقوة في سائر مواقفه وأقواله وتحرّكاته على مدى الأشهر القليلة الماضية، وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة الذي أمضى أطول مدة في سدة حكم الدولة العبرية يُخضع كل صغيرة وكبيرة من سياساته الداخلية والخارجية لاعتبارات تحسين فرصة فوزه في السباق إلى الكنيست، إلا أن من التبسيط الشديد رد كل ما يصدر عن المثقل بالاتهامات القضائية من تصريحاتٍ وتكتيكاتٍ ومراوغات إلى هذا العامل وحده، دون غيره من العناصر الحاكمة لسياسات آخر دولة احتلال في عصر ما بعد الاستعمار.
ولعل ما تجلى في وعد نتانياهو لناخبيه من غلاة اليمين والمستوطنين، بضم غور الأردن وشمالي البحر الميت، إذا ما فاز في انتخابات هذه الدورة، خير مثالٍ على اشتداد حالة الحمّى الانتخابية لديه، وأفضل دليل على استعداده للقيام بأي عمل، مهما كان متهوّراً، للحيلولة بينه وبين دخول السجن، إن خسر أغلبية مقاعد الكنيست الـ 22، فقد بيّنت الملابسات التي سبقت هذا الوعد وتلتْه صعوبة إخضاع استراتيجيةٍ ذات نفسٍ طويل، ومحل ما يسمّى إجماعا قوميا عميقا، للحسابات الجزئية الصغيرة، وللاعتبارات التكتيكية اليومية، على نحو ما تبدّى في وعد ضم الغور.
ذلك أن تمسّك الاحتلال بمنطقة الغور الذي تشكل مساحته نحو ثلث مساحة الضفة الغربية، وإصراره على الاحتفاظ بالمرتفعات المطلة لجهة الشرق في أي تسويةٍ محتملةٍ، هو حجر الزاوية في الموقف الإسرائيلي الثابت من هذه المسألة التي يدركها نتانياهو تماماً، ويعي أنها قابعةٌ في عمق أعماق العقيدة الصهيونية، إلا أن الرجل، تحت تأثير حمّى الانتخابات، فقد رشده، وتوّهت استطلاعات الرأي غير المواتية دليله، ما دفعه إلى استعجال الأمر، وحرق المراحل، واستباق تنفيذ مخطط الضم قبل أوانه.
وحسناً إن أخذ الفلسطينيون الأمر على محمل الجد، وتحاشوا التعاطي مع تعهد نتانياهو على أنه مجرد وعد انتخابي عابر، حيث أبرز رد الفعل الأولي، من السلطة ومنظمة التحرير، أشد تهديد من نوعه، أي الذهاب إلى أقصى ما يمكن الإقدام عليه على هذا الصعيد، وهو إنهاء كل الاتفاقيات السابقة والتحلّل منها.
(يتبع)
{ عن "العربي الجديد"
copy short url   نسخ
20/09/2019
192