+ A
A -
جاءت النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية في تونس بموقف سياسي هو الأول من نوعه في العالم العربي، بعد أن وصل نبيل القروي إلى جولة الإعادة على ما يبدو، فماذا لو فاز بالمنصب في جولة الإعادة قبل أن يصدر القضاء حكمه وهل سيتم حرمانه من المنصب أم سيؤدي اليمين الدستورية ويتولى منصبه ليكون أول رئيس يحكم من خلف القضبان؟
لماذا يقبع القروي خلف القضبان؟
ألقت قوات الأمن التونسية القبض على القروي الشهر الماضي بينما كان في سيارته بعد صدور قرار قضائي بحبسه باتهامات التهرب الضريبي وغسيل الأموال، على إثر شكوى قدمتها منظمة (أنا يقظ) المعنية بمكافحة الفساد.
وتقدمت هيئة الدفاع عن القروي بطلب لإطلاق سراحه كي يشارك في المناظرات التليفزيونية أو السماح له بإجراء لقاءات من محبسه، ولكن قوبل الطلب بالرفض، وقضت المحكمة قبل يومين من التصويت الذي جرى يوم الأحد 15 سبتمبر ببقاء القروي في السجن.
ماذا يقول القروي وفريقه؟
القروي يتهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد بتدبير أمر القبض عليه بهدف إزاحته من سباق الانتخابات، ويقول أنصاره إن الاتهامات الموجهة إليه سياسية.
كيف ترد الحكومة؟
الحكومة من جانبها تنفي أي علاقة لها بالقضية، والشاهد نفسه نادراً ما يذكر القروي بالاسم، لكنه يقول إنه ترشح لقطع الطريق أمام «المافيا الإعلامية والمغامرين الذين يهددون الانتقال الديمقراطي».
ماذا سيحدث لو فاز؟
إذا تأكد فوز القروي في الجولة الأولى بشكل رسمي وأصبح مؤهلاً لجولة الإعادة وفاز فيها وفي نفس الوقت أصدرت المحكمة حكماً بإدانته في الاتهامات الموجهة إليه وتم منعه من تسلم منصبه، من المؤكد أن يفجر ذلك موجة غضب لدى ناخبيه، وقد يلقي بالبلاد في أتون أزمة سياسية حادة لا أحد يعرف كيف تنتهي.
لكن السيناريو الأكثر تعقيداً سيكون فوز القروي في جولة الإعادة قبل أن يقول القضاء كلمته في الاتهامات الموجهة إليه، وهذا ما يتضح من تصريحات إبراهيم بوصلاح مساعد الوكيل العام لمحكمة الاستئناف في تونس، لوكالة فرانس برس.
«هي القضية الأولى من نوعها في تونس. يجب أن أقول هنا إننا أمام فراغ. في حال فوزه، سنكون في مأزق قانوني، إن بقي في السجن أو تمّ إطلاق سراحه، ستتواصل المشاكل. لم يحاكم والقضية لم تُختم. بالإضافة إلى أنه إذا وصل للرئاسة، فلن يتمتع بالحصانة الرئاسية لأنها ليست ذات مفعول رجعي».
«لا أستطيع أن أتصوّر ماذا سيحصل. يمكن فقط أن أقدم فرضيات. أخمن أن القضاة سيواجهون ضغطاً». «نحن نطبق القانون. غرفة الاتهام (التي أصدرت مذكرة التوقيف في حق القروي) استندت إلى نص قانوني معيّن في المجلة الجزائية (القانون الجنائي) وكان الشأن كذلك في رفض طلب قناة «الحوار التونسي» (التليفزيونية الخاصة) القيام بحوار مع القروي (في السجن)، وذلك بالاستناد إلى قانون تنظيم السجون (الذي ينص على أن أقرباء الموقوف أو أشخاصاَ مرخصاً لهم من القضاء فقط يستطيعون زيارته)».
لماذا ظل في السباق رغم حبسه؟
الهيئة المستقلة للانتخابات قالت إن القروي يبقى ضمن القائمة الرسمية للمرشحين طالما لم يصدر أي حكم نهائي في حقه.
وإبقاء القروي في اللائحة الرسمية مع عدم صدور أي قرار قضائي بالإفراج عنه أو إدانته بشكل نهائي يكشف بعض التناقضات التي تحيط بالمسار الانتخابي، ويرى محللون أنها قد تُفقد الانتخابات مصداقيتها وتدفع بالوضع نحو المجهول.
وفي تدوينة على تويتر قال الصحفي علاء زعتور: «صمت هيئة الانتخابات وبقية المعنيين بالمسار الانتخابي حتى اللحظة بشأن ملف القروي قد يفقد الانتخابات مصداقيتها ويسقط ما بقي من استثناء تونسي نفاخر به بين الدول».
من هو القروي وكيف يراه خصومه؟
ترشح القروي أثار تساؤلات كثيرة حول دور الإعلام والمال في التأثير على الناخبين، وربما في استهداف الانتقال الديمقراطي برمته، بحسب تقرير لرويترز، كما ألقى ترشحه الضوء أيضاً على اتهامات متزايدة بتدخل الحكومة في المسار القضائي.
بوصلاح كان قد رد على الاتهامات بتدخل الحكومة في عمل القضاء بقوله: «نحن لا نعمل تحت ضغط الرأي العام والسياسة أو قناة نسمة (التي يملكها القروي)، ولا يتعلق الأمر بضغوطات ولا بمسّ حقوق الإنسان ولا بالتنقيص من مبدأ المساواة. أؤكد نحن نطبق القانون».
ويقول كثيرون من المشهد السياسي التونسي إن القروي شعبوي ويستعمل محطته التليفزيونية للترويج لأنشطته الخيرية بهدف تحقيق مكاسب سياسية شخصية.
ولا يتوقف تليفزيون نسمة على بث تسجيلات لتبرع القروي عبر منظمة خليل تونس التي أطلقها لمساعدة الفقراء، سعياً لكسب تعاطف فئات مهمشة وصل إليها القروي ووفر لها مساعدات وغذاء وأغطية وأموالاً وحتى عيادات طبية تذهب للمناطق النائية لمداواة المرضى.
أنصاره يرونه نصير الفقراء ويقولون إن اعتقاله واستهداف تليفزيون نسمة جزء من مؤامرة تهدف لإقصائه من سباق الرئاسة ليكون الطريق مفتوحاً أمام الشاهد، وهو ما ينفيه رئيس الوزراء الذي يقول إنه لا علاقة للحكومة من بعيد ولا من قريب بما حدث له.
وتقول سلوى السماوي، زوجة القروي، أثناء حملة انتخابية مخاطبة المواطنين: «تعرفون لماذا سجنوه ولماذا يكرهونه؟ لأنه قريب منكم ويتواصل معكم ويساعدكم ويفعل ما لا يستطيعون هم فعله».
هل هذا هو ثمن الديمقراطية؟
الموقف في تونس هو استمرار لمسيرة الديمقراطية في البلد الذي انطلق منه الربيع العربي وشهد تحولاً ديمقراطياً سلساً إلى حد بعيد، وكما توقع الجميع تمثل الانتخابات الرئاسية الحالية مفترق طرق في مسيرة الديمقراطية الوليدة.
من يرفضون القروي يرون وصوله للمنصب خطراً على البلاد ومسيرتها، لأنه يمثل السياسي الشعبوي الذي لا يحمل برنامجاً حقيقياً بل يسعى للتأثير على الفقراء والمهمشين بسلاحي المال والتأثير الإعلامي.
وتقول حبيبة الرياحي وهي معلمة عمرها 41 عاماً لرويترز بينما كانت في متجر بالعاصمة: «صحيح نحن فقراء ولكن لسنا أغبياء لنصوت للقروي. لا يستطيع أن يشترينا بماله».
لكن على الرغم من الانتقادات الموجهة لمسيرة الديمقراطية في تونس، يظل استمرار القروي ضمن السباق الانتخابي، لأنه لم يصدر ضده حكم قضائي بات يمنعه من الترشح، نقطة إيجابية، حتى وإن أدت لموقف غير مسبوق لا أحد يمكنه أن يتوقع كيف يمكن أن ينتهي.
copy short url   نسخ
17/09/2019
423