+ A
A -
حسين لقرع كاتب جزائري
يُنتظر إجراء الانتخابات الرئاسية منتصف شهر ديسمبر المقبل، بالنظر إلى إمكانية استدعاء الهيئة الناخبة يوم 15 سبتمبر الجاري، ويأتي ذلك وسط انقسام عميق للشارع الجزائري بين مرحّبٍ بالتعجيل بإجراء الرئاسيات باعتبارها أفضل حلّ للأزمة، في ضوء الاتجاه إلى إنشاء سلطة مستقلة لتنظيم الانتخابات بدل وزارة الداخلية، ومعارضٍ لها بحجة أنها ستتيح للنظام الرافض حتى لإقالة حكومة بدوي إعادةَ إنتاج نفسه بـ «انتخاب» بوتفليقة آخر، ومن ثمة تفويت فرصة أخرى على الجزائريين لإحداث التغيير العميق الذي يطالبون به بإلحاح منذ نصف عام.
طيلة 57 سنة من تاريخ الجزائر المستقلة، لم يسبق أن نُظمت انتخاباتٌ حرة ونزيهة سوى مرتين اثنتين، وكان ذلك في 12 يونيو 1990 و26 ديسمبر 1991. آنذاك، لم تكن هناك هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، لكن الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد أبدى إرادة سياسية كبيرة للذهاب إلى ديمقراطية حقيقية، وكان ذلك كفيلا بتحييد الإدارة وإجراء هذين الاقتراعين في أجواء مثالية من النزاهة والشفافية. وبعده عادت السلطة مجددا إلى تبنّي منطق الوصاية على الشعب، ونظّمت 15 «عرسا» انتخابيا مختلفا بين 1995 و2017، انتهت كلها بتزوير فاضح لصالح مرشحيها وأحزابها المنبوذة شعبيا، فكان ذلك الاحتقارُ الصارخ للإرادة الشعبية أحد الأسباب الرئيسية لانفجار الشعب في 22 فبراير.
لذلك نقول: إذا كانت موافقة النظام القائم على إنشاء سلطة مستقلة لتنظيم الانتخابات خطوة كبيرة نحو دمقرطة الحياة السياسية، بعد نحو 5 سنوات من رفض هذا المطلب المشروع الذي رفعته المعارضة، فإنّ الأهمّ من ذلك هو توفّر إرادةٍ سياسية لا تقلّ عن إرادة المرحوم الشاذلي في توفير الأجواء المناسِبة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تُمنح فيها الكلمة للشعب وحده لاختيار رئيسٍ للبلاد قريبا، ثم ممثلين حقيقيين له مستقبلا في البرلمان والمجالس المحلية. وإذا غابت هذه الإرادة، فلن تعدم السلطة وسيلة للالتفاف على الإرادة الشعبية مجددا وتمرير بوتفليقة آخر في الرئاسيات القادمة، ومن ثمّة البقاء في الحكم وتجديد نفسها وإجهاض مطلب الشعب في التغيير.
إن التشبُّث الشديد وغير المبرَّر الذي تبديه السلطة إلى حدّ الساعة ببدوي وحكومته، وإغلاق المجالين السياسي والإعلامي، يغذّي مخاوف الحَراك من أن تكون الرئاسياتُ القادمة محطّة يجدّد فيها النظامُ نفسه، ولا يكفي تنصيب سلطة مستقلة لتنظيم الانتخابات قريبا لتهدئة هذه المخاوف وإقناع الكثير من الجزائريين بأداء واجبهم الانتخابي، ما لم يبادر النظامُ إلى إظهار إرادته السياسية في إحداث التغيير المنشود عبر جملةٍ من الإجراءات، ومنها تغيير عميق للقانون الانتخابي لمنح ضمانات كافية لإجراء انتخاباتٍ نزيهة، ولو تطلّب الأمر تأجيل الرئاسيات إلى الثلث الأول لعام 2020، وفتح المجالين السياسي والإعلامي على مصراعيهما كما كان الأمرُ في أواخر عهد الشاذلي، وإقالة حكومة بدوي وتشكيل حكومة توافقية، تضمّ كفاءاتٍ وطنية تضمن تحييد الإدارة وتسخيرها فقط لتوفير الدعم اللوجيستي لسلطة تنظيم الانتخابات في الرئاسيات القادمة.
إننا نريد أن تكون الرئاسيات المقبلة محطة تاريخية نحو التغيير التدريجي العميق للنظام واستعادة الشعب لحقه في تعيين حكَّامه وعزلهم، وليس مناسبة أخرى مهدورة تعمِّق الأزمة وتؤجِّج الأوضاع وتضع الجزائر على كفّ عفريت.
{ عن صحيفة الشروق الجزائرية
copy short url   نسخ
11/09/2019
556