+ A
A -
بعد أشهر من مفاوضات شاقة في السودان، تم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الجيش والمعارضة حول المرحلة الانتقالية، وتشكيل المجلس السيادي وتعيين رئيس وزراء. ورغم التفاؤل السوداني بهذا الاتفاق «التاريخي»، إلا أن المخاوف من احتكار الجيش للسلطة لا تزال قائمة. يضم «المجلس السيادي» 11 عضواً، ستة مدنيين وخمسة عسكريين، ويرأسه لمدة 21 شهراً في البداية عسكري، ثم يخلفه مدني للفترة المتبقية من 18 شهراً.
ووسط البهجة المحيطة بتوقيع الاتفاق، خصوصاً أنه يأتي في نفس الوقت الذي بدأت فيه محاكمة البشير، لا يزال القلق ينتاب بعض السودانيين، وسط مخاوف من احتكار الجيش للسلطة. وفي هذا السياق، تقول الكاتبة الصحفية السودانية درة مختار لـ «DW»: «الناس قلقون لأن نظام البشير لا يزال موجوداً في أعلى رتب الجيش، لكنهم متفائلون بنفس الوقت لأن حقبة جديدة قد بزغت».
اتفاق «تاريخي» وعقبات التغيير
ويرى المحلل السياسي السوداني محمد الأسباط أن «توقيع الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية يعتبر نقطة مفصلية من تاريخ السودان الحديث»، ويضيف: «هذا الاتفاق طوى 30 عاماً من حكم الدكتاتورية بقيادة المخلوع عمر البشير وجماعة الإسلام السياسي في السودان، وفتح طريقاً واسعاً أمام تحول مدني ديمقراطي».
ورغم أن الأسباط يعتبر أن الاتفاق «بداية مرحلة تحول ديمقراطي حقيقي» في السودان، إلا أنه يعتقد أن هناك «الكثير من العقبات» التي تقف أمام هذا التحول، وأهم هذه العقبات، بحسب الأسباط، تتمثل في كيفية تعزيز السلام وحل الأزمات التي خلفها نظام البشير. ويواصل الخبير: «أول هذه الأزمات هي الأزمة الاقتصادية وما ترتب عنها من بطالة وقلة ثقة المستثمرين الأجانب، بالإضافة إلى حرمان السودان من تلقي المساعدات في ظل وجود تركة ثقيلة من الديون الخارجية تبلغ عشرات مليارات الدولارات». ويعتقد فيليب يان، من فرع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في الخرطوم، أن «تأمين حياة كريمة للسودانيين ستكون المهمة الرئيسية على مدى السنوات الثلاث القادمة»، ويتابع: «انقطاع الكهرباء مستمر والبنزين بالكاد يكون موجوداً، كما أن الأسعار مرتفعة للغاية».
إعادة الثقة
وقد تكون هذه العقبات الاقتصادية هي ما جعلت الحركة الاحتجاجية تقترح اسم عبدالله حمدوك، الخبير الاقتصادي السابق في الأمم المتحدة، ليتولى رئاسة الحكومة. وما عدا الأزمة الاقتصادية، فإن إعادة بناء العلاقات الخارجية وإعادة الثقة في العلاقات الداخلية هي عقبة أخرى أمام الحكومة السودانية المرتقبة، كما يرى المحلل السياسي محمد الأسباط، ويوضح: «يجب إعادة بناء الثقة بين المدنيين والعسكريين خلال المرحلة الانتقالية حتى تتمكن الحكومة المدنية من أداء مهامها على أكمل وجه». ويشير الأسباط في الوقت نفسه إلى ضرورة حل «أزمة الثقة» بين مكونات قوى الحرية والتغيير، ويشرح: «قوى الحرية والتغيير تحالفت من أجل إسقاط النظام، لكن بكل تأكيد فإنها تتصارع من أجل الظفر بمقاعد في السلطة والاستئثار بالقرار».
مخاوف من انقلاب عسكري
لكن النقطة الأهم والأكثر تعقيداً، على حد تعبير الأسباط، هي تدخلات الدول التي لا ترغب في وجود دولة ديمقراطية حقيقية في السودان، كما يقول، ويضيف: «السودان الديمقراطي سيكون جزيرة ديمقراطية في محيط من الدكتاتوريات والدول الاستبدادية، وستحاول هذه الدول بمختلف الوسائل إجهاض المشروع الديمقراطي»، ويتابع: «وهذا ما حدث في أعقاب ثورة أكتوبر عام 1964 وانتفاضة أبريل عام 1985». ورغم أن الأسباط يعتقد أنه من الصعب على المدى القصير أو المتوسط أن يستطيع الجيش احتكار السلطة، كما تم في مصر، إلا أنه لا يستبعد أن يحدث انقلاب عسكري جديد في السودان بعد المرحلة الانتقالية، ويضيف: «التجارب السودانية معروفة وهي أن انتكاسات الثورات تكون عبر انقلابات عسكرية بدعم من قوى ودول مضادة للثورات». ويشير الأسباط إلى أن المجلس العسكري حاول احتكار السلطة إثر الإطاحة بالبشير، لكنه، والكلام للأسباط، واجه الرفض والضغط من قبل الحراك الشعبي.
معركة مؤجلة
وهناك تحفظات في أوساط الحركة الاحتجاجية في السودان حول مشاركة نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي في العملية الانتقالية، وهو الذي شارك بتوقيع الاتفاق النهائي. وعن ذلك يقول الأسباط: «هذه من القضايا المعقدة جداً، لكن وبسبب الوضع الهش في السودان رأت قوى الحرية والتغيير أن السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق هو العمل مع جميع القوى العسكرية، ومنها ميليشيات الدعم السريع التي يقودها حميدتي».
ويقود دقلو «قوات الدعم السريع» المتهمة بتنفيذ العملية الدامية لفض الاعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلّحة في الخرطوم في 3 يونيو، ويخشى كثيرون من أن يقوم باحتكار السلطة لاحقاً ويقضي على التحول الديموقراطي في البلاد.
ويتابع الأسباط: «هناك ملاحظات من رجال قانون أن السلطة الانتقالية غير منتخبة، وبالتالي لا تملك القوة الفاعلة لإحداث تغيير جذري في بنية القوات المسلحة»، مشيراً إلى أنه «تم تأجيل هذه المعركة إلى ما بعد المرحلة الانتقالية».
محاكمة أم مسرحية؟
ويأتي الاتفاق على الوثيقة الدستورية في السودان في وقت بدأت فيه محاكمة الرئيس المخلوع عمر البشير بتهمة الفساد. ويرى الأسباط أن محاكمة البشير بتهمة الفساد فقط «ليست سوى مسرحية يحاول فيها المجلس العسكري إرسال رسائل تطمينية للثوار بأنه مع الثورة»، مشيراً إلى أنه يعتقد أن الحكومة المدنية ستعيد النظر في أمر محاكمة البشير بعد تشكيلها.
وتوافقه في ذلك الصحفية السودانية درة مختار، حيث تقول: «البشير ارتكب أكثر من ذلك بكثير. السودانيون ينتظرون أن تتم محاسبة جميع المسؤولين عن المعاناة الكبيرة والظلم الذي تعرض له هذا البلد منذ 1989».
ورغم وجود «مخاوف حقيقية» على مستقبل السودان، كما يرى الأسباط، إلا أنه «متفائل»، على حد تعبيره، ويختم: «السودانيون واعون لهذه المخاوف ومستعدون لمواجهتها وحراسة مكتسبات الثورة».
بالنسبة لرئيس الوزراء الجديد عبدالله حمدوك فقد أدلى بتصريح أكد فيه أن التركة ثقيلة في السودان، «ولكن مع إجماع الشعب السوداني يمكن العبور إلى بر الأمان». وقال حمدوك عقب أدائه اليمين: إن مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح الاقتصادي وبناء اقتصاد وطني يقوم على الإنتاج، من أبرز أولويات الحكومة الجديدة.
ويتمتع حمدوك بخبرة تزيد عن 30 عاماً في مجالات التنمية الاقتصادية في إفريقيا، لا سيما في مجالات الحكم والتحليل المؤسساتي وإصلاح القطاع العام والتكامل الإقليمي وإدارة الموارد. بدأت مسيرته المهنية في عام 1981 فور حصوله على البكالوريوس في الخرطوم، فعمل في وزارتي المالية والزراعة، ونال ثقة المحيطين به.
وأصبح حمدوك مسؤولاً كبيراً في فترة ما بين 1981-1987، في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان، ثم انتقل في الثمانينيات من القرن الماضي إلى زيمبابوي وعمل في مجال تقديم الخدمات الاستشارية والإدارية لمنظمة العمل الدولية.
وفي عام 1995، أصبح حمدوك كبير المستشارين الفنيين في المنظمة بجنوب إفريقيا وموزامبيق، كما شغل في وقت سابق منصب كبير المستشارين التقنيين في الفترة ما بين 1995-1997، في منظمة العمل الدولية بزيمبابوي. وعمل خبيراً للسياسات الاقتصادية في الفترة ما بين 1997-2001، في مصرف التنمية الإفريقي في ساحل العاج.
ومنذ عام 2001، ترأس حمدوك مجموعة من أنشطة اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، مثل إدارة سياسات التنمية، والشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا والتكامل الإقليمي، والحكم والإدارة العامة. وفي الفترة ما بين 2003-2008، شغل منصب المدير الإقليمي لاتحاد إفريقيا والشرق الأوسط.
وقد طلب منه عمر البشير، رئيس السودان السابق، تولي وزارة المالية لكنه رفض ذلك. وبعد الإطاحة بالبشير، عاد حمدوك إلى البلاد ولكن ليكون رئيساً للوزراء وليس وزيراً المالية.
copy short url   نسخ
25/08/2019
1342