+ A
A -
المركز العربي للأبحاث
شهدت مدينة عدن، خلال الأسبوع الثاني من أغسطس 2019، صدامات مسلحة بين القوات الحكومية الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحظى بدعم إماراتي، أفضت إلى انكسار القوات الحكومية، وطردها من مدينة عدن التي أعلنت عاصمة مؤقتة، عقب سيطرة ميليشيات الحوثي على صنعاء في سبتمبر 2014.
أولًا: دوافع الصراع وأبعاده
مثّل مقتل قائد اللواء الأول «دعم وإسناد»، التابع للمجلس الانتقالي، العميد منير محمود المشالي (اليافعي) المعروف بلقب «أبو اليمامة»، في 1 أغسطس 2019، الشرارة التي أشعلت فتيل المواجهات المسلحة بين ألوية الحماية الرئاسية الموالية للحكومة الشرعية، وقوات الحزام الأمني الموالية للمجلس، على الرغم من أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) اعترفت بمسؤوليتها عن الهجوم الذي قتل فيه، والذي استهدف منصة عرض بمعسكر الجلاء، غربيّ عدن، وأودى بحياة ثمانية عشر شخصًا. لكن نائب رئيس المجلس، هاني بن بُريك، ألمح، خلال مؤتمر صحفي، عقده في 6 أغسطس، إلى أن حكومة الرئيس هادي ضالعة في الهجوم، واتهم، من دون أن يقدم أدلة، حزب التجمع اليمني للإصلاح بالمسؤولية، واعتبر أن ذلك يندرج ضمن مخططه للسيطرة على عدن، وظهر من سياق حديثه، أن لدى المجلس نية لطرد الحكومة من عدن.
وبالفعل دعا المجلس في 7 أغسطس، إلى النفير العام، والزحف نحو القصر الرئاسي بمنطقة معاشيق، الذي تتخذه الحكومة مقرًا مؤقتًا لها، وهي منطقة تقع على طرف لسان بحري بمنطقة كريتر، ويتطلب الوصول إليها تخطي ست وحدات عسكرية موالية للحكومة؛ ولذلك كانت الدعوة إلى النفير العام متزامنة مع اكتظاظ عدن بالمسلحين من قبائل محافظتي لحج والضالع، الذين شاركوا في تشييع جثمان العميد اليافعي.
والواقع أن العلاقة بين حكومة هادي وقادة المجلس كانت سيئة منذ ما قبل الإعلان عن قيامه في مايو 2017، وقد زادت سوءًا في ظل سعي المجلس لفرض نفسه سلطة بديلة من سلطة هادي، بدعم إماراتي؛ ما أفضى إلى نشوب مواجهات مسلحة عديدة بين قوات الحماية الرئاسية من جهة، وقوات إدارة أمن عدن والحزام الأمني من جهة أخرى، في يناير 2018، وتكرر الأمر في يناير 2019.
تخفي هذه الجولات من الصراع بين المجلس والرئيس هادي تنافسًا محمومًا بين قطبية مناطقية، هي «أبْيَن- الضَّالع»، تحفزها أعباء تاريخية، وزادتها سوءًا حرب صيف 1994، حيث شاركت محافظة أبين التي ينحدر منها الرئيس هادي في دعم الشمال، في التصدي للانفصال، الذي كانت الضالع أحد أطرافه. غير أن الجديد في هذه الدوافع والأبعاد، توظيف الإمارات العربية المتحدة لها، من أجل تحقيق أهدافها المتمثلة في القضاء على نفوذ حزب التجمع اليمني للإصلاح، والقوى العسكرية والقبلية التي أيدت ثورة 11 فبراير 2011، وعلى رأسها نائب رئيس الجمهورية، الفريق علي محسن الأحمر، وهو ما لا يتحقق إلا بإضعاف شرعية الرئيس هادي.
ثانيًا: مسرح الصراع
انحصرت المواجهات بين وحدات من الحماية الرئاسية وقوات الحزام الأمني، في مناطق محددة من عدن، وهي: التواهي، وكريتر، وخور مكسر، والشيخ عثمان، ودار سعد، وعلى نحو أقل منطقة البريقة. وشارك إلى جانب ألوية الحماية الرئاسية، الشرطة العسكرية، ومجاميع من «المقاومة الشعبية». في حين دفع المجلس، بقوات من الحزام الأمني، ومكافحة الإرهاب، وقوات أمن عدن، ومقاتلين قبليين شاركوا في تشييع جثمان العميد اليافعي.
بعد يومين من اندلاع المواجهات تمكنت قوات المجلس من اختراق دفاعات اللواء الرابع حماية رئاسية في الشيخ عثمان (البوابة الشمالية لعدن)، والتوغل مع المقاتلين القبليين في عمق المدينة، وتعزيز موقف اللواء الأول مشاة في جبل حديد، أمام نظيره اللواء الثالث حماية رئاسية، والسيطرة على قصر معاشيق من دون قتال، مع الخروج الآمن لأكثر من 200 جندي، في 10 أغسطس.
وقد أسهم بعض العوامل في حسم الصراع لمصلحة قوات الحزام الأمني. فخلال يومي 9 و10 أغسطس، أعلنت وحدات من الجيش انضمامها إلى قوات المجلس، وهي: قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، وقيادة فرع الشرطة العسكرية بمحافظة لحج المتاخمة لمدينة عدن. وفي قطاع الداخلية، انضمت إدارة شرطة محافظة لحج، وقوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقًا) بمحافظات عدن، ولحج، وأبين.
وكان اختيار قوات الحزام الأمني توقيت المعركة مع حلول عيد الأضحى أيضًا حاسمًا؛ إذ يغادر الكثير من الجنود معسكراتهم لقضاء إجازة العيد، فضلًا عن تراكم الخبرة لدى قوات الحزام الأمني من معارك خاضتها أثناء طرد الحوثيين من عدن، أواسط عام 2015، ومن مشاركتها في معارك الساحل الغربي، ولحج، والضالع. وعلاوة على ما سبق، ثمة أسباب بارزة تقف وراء انكسار قوات الحماية الرئاسية، منها:
الدعم العسكري الإماراتي لقوات الحزام الأمني والقوات المساندة الأخرى.
اتخاذ القوات الحكومية وضعًا دفاعيًا صعبًا، لم يُراع فيه تمركزها في مناطق يصعب وصول التعزيزات البرية إليها (كان عمق القوات خليج عدن)، مع تأثير ذلك في مرونة الدفاع اللازم، والفاعلية في الأداء، في ظل تواضع آلتها العسكرية، وضعف التحصينات.
الفساد السائد في منظومة إدارة القوات الحكومية وقيادتها، بما فيها قوات الحماية الرئاسية.
ثالثًا: موقف التحالف العربي من طرفي الصراع
لم يتبنّ التحالف موقفًا سريعًا وجادًّا لوقف الصراع، واكتفى بعد أربعة أيام من المواجهات المسلحة بإصدار بيان لوقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الطرفين إلى مواقعها السابقة، في الوقت الذي كانت فيه قوات المجلس قد حسمت المعركة. وقد عزز ذلك الدعوة المتأخرة التي وجهتها المملكة العربية السعودية إلى «الأطراف التي نشب بينها النزاع»، للاجتماع العاجل في الرياض، وقيام طائراتها بشن غارات على أهداف غير ذات أهمية.
وبالمثل، كان الموقف السياسي للإمارات متأخرًا؛ فبعد سيطرة قوات المجلس على عدن، دعا وزير الخارجية الإماراتي إلى «حوار مسؤول وجاد؛ من أجل إنهاء الخلافات»، مع علمه أن المسألة ليست مسألة خلافات بعد أهداف معلنة للمجلس الانتقالي بالإعداد لإقامة دولة. وتزامن ذلك مع حملة إعلامية شديدة قادها سياسيون وأكاديميون مقربون من مركز القرار الإماراتي، حاولت بعث النزعات الانفصالية، والتعريض بالرئيس هادي، والدعوة إلى طرد الحكومة من عدن.
على الأرض، شاركت عربات مشاة إماراتية، مع قوات المجلس، في السيطرة على عدن، كما توافر الدعم اللوجستي؛ إذ ليس من المنطقي أن تفرط الإمارات في حليف قاتل، ويقاتل عنها، وتعرضه للهزيمة، وتتنازل عن دورها في تشكيل المجلس، ودعم مشاركته في عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، كطرف جنوبي رئيس. ليس ذلك فحسب، بل سبق لطائرات الإمارات أن عززت موقف هذه القوات، بالإغارة على قوات الحماية الرئاسية أثناء المواجهات، التي اندلعت بينهما مطلع عام 2018.
رابعًا: ترتيبات ما بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن
بعد مقتل العميد اليافعي، وسيطرة المجلس على عدن، تميل الإمارات إلى خلق تحالف سياسي - عسكري، بين المجلس الذي باتت قواته قادرة على إحداث تحولات على الأرض، وحزب المؤتمر الشعبي العام (جناح أحمد علي عبد الله صالح المقيم بالإمارات)، مع تنامي نفوذ قواته الخاضعة لابن عمه العميد طارق محمد عبد الله صالح، التي تسيطر، إلى حد ما وبدعم إماراتي، على منطقة الساحل الغربي، في مسعى مقبل قد يكون هدفه السيطرة على المناطق الخاضعة لحكومة هادي بمحافظة تعز، بالتنسيق مع كتائب القيادي السلفي، العقيد عادل عبده فارع (أبو العباس)، المرابطة بمنطقة الكدحة، والتي تحظى بدعم إماراتي.
أما السعودية فتحاول التوفيق بين الحفاظ على تحالفها مع الإمارات، والتزاماتها تجاه السلطة الشرعية؛ ولذلك بادرت إلى دعوة المجلس للانسحاب من المعسكرات والهيئات الحكومية التي استولى عليها، مع قيامها، في الوقت ذاته، بنشر قواتها في منطقة العريش شرقي عدن، ومنطقة صلاح الدين، غربي عدن، منذ أواخر يوليو 2019، لتعمل قواعد عسكرية متوسطة وقابلة للنمو مستقبلًا. وقد لوحظ تزايد حجم هذه القوات بعد سقوط عدن في قبضة المجلس، في حين لم تبد قواتها التي وصلت إلى عدن قبل ذلك، أي موقف مع أي طرف. والحقيقة أن الدعوات لحوار وغيره ومناشدة المجلس الانتقالي بالتراجع لا تعدو كونها ضريبة كلامية للشرعية، فالمجلس الانتقالي يعرف أن المقرر في النهاية هو عامل السيطرة على الأرض.
خاتمة
تطمح السلطة الشرعية، في الوقت الراهن، إلى إعادة الوضع في عدن إلى ما قبل 7 أغسطس 2019، لكن ثمن ذلك سيكون إشراك المجلس معها في السلطة، وهو ما يمثل اقترابًا تدريجيًا من الانفصال، أو «استعادة دولة الجنوب الفيدرالية المستقلة»، وفقًا لبيانه الذي أصدره بعد خمسة أيام من سيطرته على عدن، ولا سيما مع ما يثار حول اشتراطه الحصول على حقيبة الدفاع أو الداخلية؛ حيث سيضمن الحفاظ على قواته، وتطويرها، وإدارتها مباشرة، وبلوغه المحافظات التي ظلت بعيدة عن سيطرته، ولتكون هذه القوات أداة لتحقيق إرادته السياسية مستقبلًا. لكن ثمة عوائق في الطريق ليس أقلها وجود طموحات وطامحين آخرين في المحافظات المختلفة. إن من فتح باب التشظي والانقسامات ليس بالضرورة قادرًا على إغلاقه متى شاء وكيفما شاء.
copy short url   نسخ
21/08/2019
3782