+ A
A -
القدس- الوطن - أمين بركة
يتعرض بدو النقب داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 إلى هجمة إسرائيلية شرسة تستهدف اقتلاعهم من أرضهم وترحيلهم، لكن في المقابل يسطر الأهالي هناك كل يوم ملحمة بطولية عنوانها الصمود والتشبث بأرضهم وحقهم.
ويؤكد السكان البدو في صحراء النقب أن سلطات الاحتلال تعمل كل ما في وسعها من أجل إجبارهم على الرحيل، كما أنهم يفتقدون إلى أبسط مقومات الحياة، وانعدام الأساسيات من كهرباء وصحة وتعليم وصرف صحي، ويؤكدون أن محاولات ترحيلهم بدأت مبكرا بالاستيلاء على الأرض ومضاعفة عمليات الهدم وتدمير قراهم.
ومنذ عام 48 استولت إسرائيل على نحو 90% من أراضي النقب التي تبلغ مساحتها نحو 11 مليون دونم، فيما يقدر عدد البدو الفلسطينيين في النقب بنحو مائتي ألف.
وتمارس حكومة الاحتلال الإسرائيلي أشد أنواع التمييز العنصري بحق سكان النقب وتمنعهم من إقامة مدن وأحياء حديثة تستوعب تكاثرهم الطبيعي رغم حاجتهم الماسة إلى ذلك، بالإضافة إلى التضييق على أصحاب الأرض من خلال زرع مستوطنات في قلب التجمعات العربية وتعمل على تشجيع اليهود المتدينين الذين يعرفون بعدائهم للعرب للسكن فيها بغية كتم أنفاسهم ولجم تحركاتهم.
ولا تقتصر سياسة التمييز الإسرائيلية بين اليهود والعرب فحسب، حيث تميز حكومة الاحتلال بين العرب أنفسهم من خلال منح المواطنين الدروز والبدو قطع أراض مناسبة للبناء بغية تشجيعهم على الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال. كما تمارس سلطات الاحتلال سياسة «التجويع» في النقب بغية خفض مستوى التكاثر الطبيعي لدى العائلات التي كانت تعرف بنسبة الولادة العالية، وقد نجحت هذه السياسة إلى حد ما، حيث تراجعت نسبة الولادة بشكل كبير.
كما تقوم المؤسسة الإسرائيلية بممارسة سياسة «التجهيل» في النقب إلى جانب التجويع ومصادرة الأراضي، حيث تصل نسبة الطلاب الذين يجتازون مرحلة الثانوية العامة بنجاح إلى 5% فقط، فيما بلغت نسبة البطالة حسب إحصائيات رسمية حوالي 20%.
ادعاءات إسرائيلية
ويذكر مدير مركز «عدالة»، الحقوقي ثابت أبوراس، أن الأراضي التي يسكنها البدو في النقب هي أملاك خاصة بالفلسطينيين، ولا تنسجم مع ما يدعيه الاحتلال، وهناك وثائق رسمية تثبت بطلان الادعاءات الإسرائيلية.. لافتا إلى أن مساحة الأراضي التي كان يملكها البدو قبل النكبة تقدر بـ11 مليون دونم، ولكن لم يتبق لهم حاليا سوى مليون دونم، بينما يهدف الاحتلال للسيطرة عليها من خلال ترحيل البدو.
وأكد أن إسرائيل تدعي أن البدو ليسوا أصحاب أرض، وليس لهم ممتلكات، ويتنقلون من منطقة لأخرى بحثا عن الماء لأغنامهم، وهذا ادعاء باطل، لأنهم يملكون الأراضي، وهم جزء أصيل وأساسي من الشعب الفلسطيني، وكان مركزهم الرئيسي هو مدينة بئر السبع، ولكن الاحتلال قام بترحيل الجزء الأكبر منهم خلال النكبة وطردهم من أراضيهم، حيث ينصب الجهد الإسرائيلي في تجميع الفلسطينيين في تجمعات، وحظر حرية التحرك التي هي جزء أساسي من حياتهم.
تحديات كبيرة
وحول السياسات الإسرائيلية ضد عرب 48، قال العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي مسعود غنيم، إن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 يواجهون تحديات كبيرة في هذه الأوقات تهدف إلى تهويد المكان ومصادرة الأرض وصهينة الإنسان.
وأوضح غنايم أن المؤسسة الإسرائيلية تتعامل مع فلسطينيي 48 على أنهم أعداء لها ويشكلون خطرا ديموغرافيا عليها، ولذلك فهي تسعى إلى هدم بيوتهم ومصادرة أرضهم بغية التضييق عليهم وجمع أكبر قدر ممكن من السكان في أقل مساحة من الأرض.
ونوه إلى أن المؤسسة الإسرائيلية وباسم الخوف على يهودية الدولة وصهيونيتها تدوس على الديمقراطية.. لافتا إلى أنه كلما زادت التحديات أمام إسرائيل ومن ضمنها عملية التسوية مع الشعب الفلسطيني كلما ثبتت هشاشة معادلة يهودية الدولة وديمقراطيتها.
وأكد أن المواطنين العرب بأمسّ الحاجة إلى إقامة مدن جديدة في هذه المرحلة، ولكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة رفضت وما زالت تشريع قانون جديد يسمح لهم بإقامة المدن والأحياء التي يحتاجونها.
ولفت إلى أن ما يسمى «بدائرة أراضي إسرائيل» تمارس تمييزا عنصريا في تقسيمها لأراضي الدولة بحيث ينال اليهود أضعافا مضاعفة عما يناله العرب الذين لا يجدون مكاناً للبناء منذ سنوات بفعل سياسات الاحتلال المختلفة.
وأشار إلى أن سياسة الاحتلال في هدم البيوت تأتي ضمن سياسة التضييق على المواطن الفلسطيني حتى لا يبقى للأجيال القادمة مكان للبناء والسكن، من جهتنا، نحن قمنا بنضال جماهيري واسع ضد هذه المخططات ونحن نقوم أيضاً ببناء كل بيت تهدمه المؤسسة الإسرائيلية في اليوم التالي.
تصاعد هدم المنازل
في السياق، تؤكد معطيات إسرائيلية رسمية على تصاعد وتيرة هدم بيوت العرب البدو من سنة إلى أخرى بذريعة البناء غير المرخص. وأظهرت معطيات زودتها وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية لصحيفة «هآرتس»، العبرية، أن غالبية عمليات هدم البيوت نفذها أصحاب البيوت بأنفسهم، بعد أن أصدرت السلطات أوامر هدم، وذلك من أجل الامتناع عن تكبد تكاليف الهدم التي تفرضها السلطات عليهم.
وتشير المعطيات إلى أنه في العام 2013 جرى هدم 697 بيتا، بينها 397 بيتا هدمها أصحابها بأنفسهم، وفي العام 2014 جرى هدم 1073 بيتا، بينها 718 بيتا هدمها أصحابها بأنفسهم.
أما في العام 2015 جرى هدم 982 بيتا، بينها 617 بيتا هدمها أصحابها بأنفسهم، وفي العام 2016 جرى هدم 1158 بيتا، بينها 746 بيتا هدمها أصحابها بأنفسهم، وفي العام 2017 تضاعف العدد إلى 2220 بيتا، بينها 1579 بيتا هدمها أصحابها بأنفسهم، بينما في العام 2018 جرى هدم 2326 بيتا، بينها 2064 بيتا هدمها أصحابها بأنفسهم.
وقالت «هآرتس» إن هدم البيوت على أيدي أصحابها هي السياسة المفضلة لدى السلطات، لأنها توفر بذلك في تكاليف الهدم، ولا تجلب قوات وعتاد الهدم، ولا تحضر الشرطة إلى موقع البيت المهدد بالهدم، ما يمنع الاحتكاك بين قوات الشرطة والمواطنين. ومن أجل تنفيذ السلطات هذه السياسة، فإن السلطات تهدد المواطنين لدى تسليمهم إخطارا بالهدم، بأنها ستطالبهم بتسديد تكاليف الهدم.
ويشار إلى أن أغلبية البيوت الصادر ضدها أوامر هدم تقع في القرى المسلوبة الاعتراف في النقب، حيث لا تعترف السلطات بعشرات القرى البدوية ولا تزودها بأية خدمات، وتسعى إلى تهجير سكانها منها من أجل الاستيلاء على أراضيهم، وبالتالي فإن هذه القرى تخلو من خرائط هيكلية ومخططات بناء وليس بإمكان سكانها الحصول على تصاريح بناء مأوى لهم. وفي المقابل تضع الحكومة الإسرائيلية مخططات، نفذت قسما منها، لإقامة بلدات أو مزارع كبيرة لليهود فقط.
وتؤكد النائب العربي في الكنيست حنين زعبي أن بدو النقب لديهم طول النفس في مواجهة مخططات التهجير التي تستهدفهم.. مشيرة إلى أن مخططات التهجير لا تتوقف عند هدم البيوت والعناوين الكبيرة التي يصنعها الهدم، فهنالك ما يحاك وراء الكواليس، الآن، من مخططات تهجيرية أخرى مثل مخطط شارع 6 الذي تستغله اليوم ما تسمى «سلطة تطوير النقب» من أجل تهجير قرابة ألف عربي من النقب، بعد أن كان المخطط الأولي قبل تدخل هذه السلطة يهدد 100 عربي فقط، ولم يقبله عرب النقب أيضا.
وتذكر أنه ومنذ سبعينيات القرن الماضي توجد في المحاكم الاسرائيلية 3 آلاف دعوى ملكية على أراضي النقب للعرب، وسلطات الاحتلال استطاعت حل 3% فقط منها بكل الأساليب التي استخدمتها.. موضحة أن زيادة عمليات هدم المنازل والتصعيد هي دليل على فشل مخطط طرد أهل النقب من أرضهم، منذ سنوات طويلة، وإنه على سلطات الاحتلال أن تفهم بأن القوة لن تخرج عرب النقب من أرضهم وأن صمودهم أقوى من الجرافات.
copy short url   نسخ
18/08/2019
1520