+ A
A -
«آلام إلى ما لا نهاية»، هكذا عنونت صحيفة «نيس ماتان» صفحتها الأولى.. إنه عنوان مناسب لأنه حتى في اليوم الرابع بعد الاعتداء في نيس تدفق آلاف المواطنين على «منتزه الإنجليز» الطريق العريض الذي دهس فيه الإرهابي يوم الخميس الماضي بحافلته البيضاء 84 شخصا وجرح 207 آخرين.. ولاتزال على الطريق المعبدة آثار سوداء وبقايا دم الضحايا، وتمتد آثار الموت هذه على طول مئات الأمتار.
أحد الشباب ينهار بالقرب من تلك الآثار المحزنة، يبكي ويرتمي على الأرض، ويحاول بعض المارة مواساته، وتحتضنه إحدى السيدات ثم تضع وردة على الأرض.. في اليوم الوطني فقد الشاب أحد أصدقائه في هذا المكان، إنه حزن مؤلم يتم في أجواء ما فوق الواقع، وقرب الباكين والمواسين يتجول مصطافون شبه عراة، حيث وضعوا منشفاتهم على الكتف. وهناك أشخاص وآخرون، يركضون أو يسوقون دراجات، إلى جانب عائلات متنزهة على الطريق الشاطئي ومجموعة من المسلمات المحجبات إضافة إلى العديد من المصورين وكاميرات التليفزيون.. المقاهي أعادت فتح أبوابها على «خط الموت».
الحب للجميع وليس الكراهية
«كنت محظوظا بالكاد عندما نجوت مع عائلتي من الاعتداء»، يقول أمين بهيدسا بصوت خافت في المكان الذي أوقف فيه رجال الشرطة حافلة الإرهاب.. يحمل المواطن الفرنسي بين ذراعيه ابنته البالغة من العمر 3 سنوات ويقول: «شاهدنا جميعا كيف تم دهس طفل آخر»، يقول ذلك وعيونه تذرف دموعا، ثم يلاحظ: «كان منظرا مرعبا».
ويؤكد الشاب أنه لا علاقة للإرهاب بالإسلام، إنه «تأويل خاطئ بالكامل».. بالتعاون مع زملاء له تم تعليق قطعة قماش في المكان التذكاري للعمل الإرهابي، حيث كتب عليها بالفرنسية والعربية: «الحب للجميع، لا للكراهية تجاه أي أحد».وتتدخل إحدى الزائرات من هولندا في الحديث وتقول: «يجب على المسلمين أن ينأوا بنفسهم وبقوة عن هذه الأعمال الإرهابية». ويرد الرجل الشاب عليها: «نحن نفعل ذلك، ولكن وسائل الإعلام قلما تعكس ذلك».
عجوز فرنسي يعلن بأن المشكلة تعود بالأساس إلى الهجرة. الرجل الشائب يقول: «يوجد هنا عدد هائل من التونسيين»، في إشارة إلى منفذ العمل الإجرامي المنحدر من تونس والذي حصل على رخصة طويلة الأمد للإقامة بفرنسا.
أفعال الحماق
الجالية المسلمة في نيس أقامت على مقربة من مستشفى باستور «موقع مشورة» للعائلات المتضررة، لأن أشخاصا من جنسيات متعددة ومن ديانات مختلفة كانوا من بين الضحايا. وقد تم التعرف إلى حد الآن على 35 فقط من بين 84 من القتلى.. واعتبر أحد الأئمة في حديث لقناة تليفزيونية فرنسية أمام المستشفى بأن مكافحة الإرهاب ليست مهمة المسلمين وحدهم، بل إن ذلك يقع على عاتق كل المواطنين الفرنسيين، موضحا أن «داعش لا يميز بين المسلمين وغير المسلمين». وقال الإمام بوبكر بكري من الاتحاد الإسلامي بمنطقة «بروفانس ألب»: «لا يجب أن تكون هناك فوارق بيننا عند محاربة الإرهاب».
نادية غيشي طبيبة أسنان جزائرية تقيم في نيس منذ 16 سنة اعتبرت هي الأخرى أن الاعتداء ليس له أية علاقة بالدين، ولاحظت: «فرنسا هي كيان جميع من يعيش فيها.. يجب علينا أن نتضامن.. المذنب هو الذي قام بعمل الحماق.. إنهم أناس مختلون عقليا وهم تعساء ويقتلون الأطفال».
هل هناك من تواطأ مع المعتدي؟
في الوقت الذي يتبادل فيه الناس المواقف ويعبرون عن أحزانهم على طول طريق المنتزه الشاطئي، تسعى النيابة العامة في نيس للكشف عما إذا كان المعتدي لوحده في فعلته هذه وما هي الدوافع خلف ذلك.
نهاية الأسبوع تم إلقاء القبض على زوجين من ألبانيا تلقيا رسالة إلكترونية قصيرة من الجاني يُستنتج منها أنه كان يجب عليهما تزويده بسلاح، وفق ما كشفت عنه وسائل إعلام فرنسية استنادا إلى مصادر في الشرطة.. وهناك رسائل إلكترونية أخرى تدعو للاعتقاد بوجود متواطئين مع الجاني. كما أوقفت الشرطة أربعة مشتبه بهم على ذمة التحقيق، وحققت مع أكثر من 100 شخص من محيط الجاني.. وصرح جيران يسكنون مباشرة قرب بيت الجاني أن منفذ العمل الإرهابي «لم يكن تقياً، بل كان يشرب الخمر في شهر رمضان».
copy short url   نسخ
12/08/2016
1298