+ A
A -
ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري
في واحد من مشاهد الكوميديا السوداء في مصر، في عصر المخلوع حسني مبارك، حوار أجراه الصحفي مجدي مهنا رحمه الله، مع وزير الإعلام المزمن، صفوت الشريف، سأله مهنا عما إذا كان يكتب مذكراته، فانفعل انفعالاً شديداً، ونفى نفياً قاطعاً يجعل من يستعيده يتذكّر عواصف أحاطت بإصدار مذكرات هذا السياسي أو ذاك في العالم العربي، وهي في النهاية «رواية شخص» وليست «وثيقة رسمية». ويمكن هنا فتح قوس يضم أسماء مصرية، مثل: اعتماد خورشيد، وسعاد حسني، وأشرف مروان، وشمس بدران، ويمكن أيضاً إضافة السوري يوسف زعين، وغيره، وقد كنا نشكو، والشكوى مستمرة ومستحقة، من غياب الوثيقة والإفراط في الاعتماد على المذكرات الشخصية، فإذا بنا نواجه أيضاً مشكلة ندرة المذكرات الشخصية. ولذا بإمكانك، بعد إغلاق قوس الأسماء مباشرة، طرح السؤال: ماذا يبقى من السياسة عندما نكره الحقيقة ونغيِّب الوثيقة؟
سؤال تفرضه البنى السياسية السائدة عربياً، والنظم القانونية الحاكمة لتداول الحقائق والوثائق، بالقدر نفسه الذي تفرضه به السمة الغالبة على قسم كبير من «الوجدان السياسي العربي». وأحاول في هذا التعبير وصف جانب نفسي/‏‏ أخلاقي من الطريقة التي نتفاعل بها، أفراداً وجماعات، مع الواقع السياسي. وبحسب اجتهادات حديثة نسبياً في العلوم الإنسانية، يعيش الإنسان في مناخ عام يسمى «البيئة الأخلاقية»، وهو مفهوم يبدأ من الفردي والإنساني. وبحسب الباحث الأميركي أستاذ الأخلاق في المعهد الأميركي للمشاريع الاستراتيجية في واشنطن، مايكل نوفاك، فإن البشر قادرون على المراجعة والوصول إلى الخيارات، لكنهم يحتاجون لرياضة أنفسهم مدى الحياة سعياً إلى تطوير عادات التوازن والاتزان والشجاعة والتواضع، والفضائل الأخرى التي تمكّنهم من الوصول إلى أحكامٍ هادئةٍ وجماعية، والثبات من وراء تلك القرارات في الظروف الصعبة وتحت النار. وممارسة الحرية مَحْميةٌ بحارسٍ أمينٍ متمثّل في العادات السليمة، ومعظم الناس قادرون على ممارسة هذا الانضباط.
{ عن «العربي الجديد»
copy short url   نسخ
13/08/2019
1050