+ A
A -
السنوسي بسيكري كاتب ليبي
إنني أشدد على أن من أبرز سمات المراجعات الفكرية الجادة والنافعة أنها تقع في مناخ حر بعيدا عن الضغوط، خاصة الأمنية، ولقد كان لمراجعات الجماعة الإسلامية المقاتلة صدى ضيق وظلت حبيسة عقول عدد محدود من قادتها وأنصارها لأنها اقترنت بمشروع سياسي سلطوي، دون أن أقلل من مضمون المراجعات وأهميتها، ولكنني هنا أتحدث عن النتائج.
النقطة الثانية، وبرغم قناعتي أن الآراء والأفكار التي تدعو إلى تغيير كبير في آليات عمل التيار الإسلامي الحركي ينبغي أن تخرج من رحم التجربة، إلا أنه من الضروري ألا تقع فريسة تجاذباته.
إذ إن من أبرز إشكالات هذا الموضوع أنه لصيق بالخلاف بين حزب العدالة والبناء وجماعة الإخوان المسلمين، ومرتهن لموقف شعبي، في الغالب الأعم، سلبي تجاه جماعة الإخوان.
من الممكن جدا أن يكون كلام صوان تعبيرا عن قناعات راسخة جراء تقييم مسيرة عمل طويلة وقراءة واقع واستشراف مستقبل، إلا أن خلاصاته لا يمكن فصلها – على الأقل لدى كثير من المهتمين بكلامه والمعنيين بالدرجة الأولى به - عن حالة الاستقطاب بين الحزب والجماعة، والمطلوب فك الاشتباك في الموضوع المعروض للتفكير والنقاش مع الخلاف الواقع بين المكونين.
ربما كان للحرب الدائرة اليوم تأثير تمثل في عدم الاستجابة الواسعة للموضوع المطروح، وأتوقع في وقت لاحق تفاعل مثقفين ونشطاء بمختلف اتجاهاتهم، ولأن الكثير منهم لا يفصلون الموضوع عن جماعة الإخوان وعن موقفهم السلبي منها، فإن هذا عامل لا يساعد على تطوير مقاربة تجديدية بناءة.
ثالثا، كلام صوان والذي عبر به عن آراء عدد كبير من المعنيين بالشأن الليبي والعمل الإسلامي؛ يتطلب نقاشا معمقا وبحثا جادا يتوسل المنهجية العلمية ولا يقتصر على الردود المقتضبة.
عليه فإني أعتبر أن الموضوع ينبغي أن يأخذ ما يستحقه من النقاش الجاد والرصين والبناء -أشدد على لفظة البناء– ومن الضروري عدم حصره في أنصار الجماعة السابقين والحاليين، بل أن يتسع ليشمل غيرهم من المحسوبين على التيار الإسلامي العريض، وعلى كل المؤهلين للخوض في هذا الموضوع من غير الإسلاميين.
ولكي يقع هذا، فإن البداية ينبغي أن تكون عبر حوار علني منظم وتراكمي بين من يناصرون آراء رئيس حزب العدالة ومن يرفضونها من أنصار الجماعة، ولا يترك الأمر، كما أشرت سابقا، لردود فعل ضيقة ومتشنجة يتبناها من يقع بينهم خلاف حاد في قاعدة الحزب وقاعدة الجماعة، إذ إن بعض الردود تلبست بحالة النزاع الأمر الذي قد يشوش على مضمونها.
صحيح أن ردودا على الفيس بوك وضعت مفاتيح لنقاش جيد، غير أنني لم أقرأ ردا معمقا عبر مقال رصين ممن لهم باع في التجربة الإسلامية الإخوانية وأهلية لتناول مثل هذا النوع من المواضيع، أو من غيرهم ممن لهم تجربة إسلامية تنظيمية، وأتمنى أن يرتقي البحث إلى مستوى دراسة يتقدم لها من تتوافر فيهم القدرة البحثية والمتابعة الجيدة للشأن الإسلامي التنظيمي.
وأخلص إلى القول إن طرحي لبعض العوائق التي قد تعكر صفو التفكير «التجديدي» لقضايا تواجه التجربة الإسلامية التنظيمية لا يعني التوقف عن التفكير والبحث، على الإطلاق، فأنا أعتبر أن التجربة تحتاج إلى حوار مفتوح وبحث رصين، لكني أحاول أن ألفت النظر إلى بعض ضمانات مقاربة تجديدية نتائجها تنعكس إيجابيا على المنتظم الليبي.
copy short url   نسخ
30/07/2019
525