+ A
A -
بشرى المقطري كاتبة وناشطة يمنية
أعادت الدول المتدخلة في اليمن صياغة الصراع المحلي وفق النموذج الأمثل الذي خدم أهداف تدخلاتها في اليمن. فبالإضافة إلى إفلاتها من العقاب جرّاء تسببها بمقتل آلاف المدنيين طوال سنوات الحرب، فقد نجحت في تفتيت اليمن وتحويله إلى جغرافياتٍ معزولة ومتحاربة، يديرها حلفاؤها المحليون. وفي هذا السياق، لا يعني إعلان الإمارات خفض قواتها العسكرية في اليمن نهاية الوجود الإماراتي في اليمن، وإنما مرحلة جديدة للتعاطي مع الواقع الذي أحدثته في اليمن، بعد أن حققت غاياتها من تدخلها العسكري المباشر.
منذ بدء الحرب في اليمن، شهد الوجود العسكري الإماراتي تغيرات عديدة، فرضتها الاستراتيجية الإماراتية في تعاطيها مع أولوياتها في اليمن. وعلى الرغم من أن التدخل الإماراتي جاء تحت منظومة التحالف العربي الذي تقوده العربية السعودية للدفاع عن السلطة الشرعية، كما تدّعي البروباغندا الإعلامية للتحالف، فإن الإمارات حدّدت تدخلها العسكري في اليمن، منذ البداية، بالمناطق التي ضمنت لها إيجاد شركاء محليين موثوقين، إذ لم تكن معنيةً بالحرب التي تدور بين السلطة الشرعية وجماعة الحوثي في جبهات الشمال، إلا وفق تأثيرها على مصالحها في جنوب اليمن، لذا حصرت وجودها في جبهات الشمال بتمثيل رمزي، مقابل اعتمادها على القوات السودانية في خوض المعارك ضد جماعة الحوثي.
يشكل الوضع الحالي في جنوب اليمن، بتعقيداته وبناه السياسية والعسكرية المتعددة، مثالاً حياً على أهداف التدخل العسكري الإماراتي في اليمن، إذ نجحت الإمارات في إيجاد هياكل سياسية وعسكرية جنوبية موالية لها، خارج إطار السلطة الشرعية اليمنية ومناوئة لها. فخلال سنوات الحرب في اليمن، تحولت الأحزمة الأمنية وقوات النخبة في جميع المناطق الجنوبية إلى قوة محلية ضاربة، تفرض أولويات الإمارات في جنوب اليمن، بما في ذلك صراعها مع السلطة الشرعية على السلطة والثروة. كما استطاعت الإمارات تجميع القوى الجنوبية الراديكالية المنادية بالاستقلال عن شمال اليمن في إطار المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث وفرت له الدعم المالي والسياسي، وشرعنت وجوده سلطة مستقبلية في جنوب اليمن، وبذلك ضمنت الإمارات، من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي والتشكيلات العسكرية الموالية لها، سيادتها على جنوب اليمن حالياً وفي المستقبل.
في مقابل نجاحها في إخضاع جنوب اليمن لسلطتها، سعت الاستراتيجية الإماراتية إلى إحداث وضع مماثل في مناطق شمال اليمن، بما في ذلك محاولة اختراق المناطق المغلقة بالنسبة لها، وإيجاد شركاء محليين يمثلون أجنداتها، إلا أنها فشلت في ذلك. فعلى الرغم من محاولة تقديمها المجاميع السلفية المنضوية في المقاومة اليمنية بأنها ذراعها العسكرية والسياسية في جبهات الشمال، لكنها لم تكن حليفاً موثوقاً بالنسبة لها، وذلك لاعترافها بسلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ممثلاً للشرعية اليمنية، بيد أن مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لم يمكّن الإمارات من اختراق مناطق الشمال فقط، وإنما إدارة صراع القوى اليمنية لصالحها، إذ ضمنت، بتحالفها السياسي مع حزب المؤتمر الشعبي وجناح صالح، قوة سياسية واجتماعية في جميع مناطق الشمال، بالإضافة إلى قوة عسكرية متنامية.
{ عن «العربي الجديد»
copy short url   نسخ
15/07/2019
420