+ A
A -
جمال الهواري كاتب وصحفي مصري
ربما تكون العلاقات المصرية - الإيرانية من أعقد العلاقات الإقليمية وأكثرها غرابة، فقد تحولت عدة مرات خلال عقود قليلة وإن كانت القطيعة هي الغالبة وهو أمر يعتبر غريبًا إلى حد ما في عالم السياسة والمصالح، فمصر هي الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي ليست لها علاقات كاملة مع إيران، وكذلك إيران تكاد تكون الدولة الإسلامية الوحيدة التي ليست لها علاقات دبلوماسية كاملة مع مصر، فمن عداوة متبادلة واضحة على المستوى الرسمي في عهد جمال عبدالناصر.
ويرجع هذا لتعاون السعودية وإيران في دعم حكم الزيدية الملكي ضد الجمهوريين في اليمن في مواجهة عبدالناصر ومشروعه القومي الساعي إلى فرض نفسه كزعيم أوحد للمنطقة العربية، وهو ما عرف بحرب اليمن في مطلع ستينيات القرن الماضي وعلاقات نظام الشاه الوطيدة بأميركا والكيان الصهيوني، ثم انقلبت الآية بعد وفاة عبدالناصر وهو ما استقبلته إيران بكل ابتهاج لتشهد العلاقات المصرية - الإيرانية تطورا ملحوظا وبرضا سعودي تام، وارتبط السادات بعلاقة شخصية وطيدة بشاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي كان على العكس من والده فقد جمعته علاقة طيبة بالسعودية تلك العلاقات التي تطورت لحد التحالف في ما عرف بنادي السفاري الذي تم تدشينه في سبتمبر 1976، وضم بجانب فرنسا كلا من مصر وإيران والسعودية والمغرب وتحت مظلة أميركية ورضا إسرائيلي هذا النادي الاستخباراتي - العسكري الذي امتدت عملياته من إثيوبيا وتشاد وزائير «الكونغو الديمقراطية» مرورا بسلطنة عمان وصولًا إلى أفغانستان، وهذا الحلف يصنفه بعض الخبراء بكونه الأب الروحي لتنظيم القاعدة ومشتقاته، وكانت السعودية وإيران تتكفلان بالدعم المالي ومصر والمغرب بالجانب البشري والعسكري وفرنسا ومن خلفها أميركا بالجانب التقني واللوجيستي من أسلحة ومعدات، وكانت أهداف الحلف المعلنة منع التمدد السوفياتي في إفريقيا والشرق الأوسط وتامين خطوط النفط، وإن كان من نتائجه المباشرة وقوع غالبية الدول الإفريقية جنوب الصحراء تحت حكم أنظمة ديكتاتورية متسلطة تحت دعاوى مقاومة المد الشيوعي.
في عهد المخلوع مبارك كانت العلاقات تتسم بالبرود وإن تخللتها أحيانا زيارات مسؤولين كبار في الإدارة الإيرانية إلى مصر، لاختلاف الرؤى حول الملفات المفصلية المهمة كالقضية الفلسطينية من جهة، والضغوط الأميركية من جهة ثانية وخشية مصر من تمدد المشروع الإيراني في المنطقة على حساب الدور المصري وتأثيره وخاصة في منطقة الخليج من جهة ثالثة، رغم محاولة نظام مبارك عدم وصول الطريق لنقطة اللاعودة، وإن كان من المحتم الخلاف وفي أحيان أخرى التصادم، فإيران تدعم المقاومة الفلسطينية وتقف على النقيض من موقف مصر الذي يتبنى وجهة النظر الأميركية في حل القضية الفلسطينية وتتبدل مواقفها تبعا لمنحنيات قراراته حول هذا الحل وإن كان مبارك ناجحا لحد كبير في اللعب بكارت القضية الفلسطينية والمقاومة من حيث تمكنه، نظرا للموقع الجغرافي في المقام الأول في اللعب به لصالحه للخروج بمكاسب لنظامه دون خسارة هذا الدور لأي قوة إقليمية أخرى واحتفاظه بعلاقات متوازنة مع أطراف الصراع المتعددة وفي نفس الوقت كان ينظر بعين الحذر إلى إيران لما لها امتدادات في دول عدة في المنطقة وخرجت بربح واضح من صراعها المستمر مع العراق خصوصًا بعد الغزو الأميركي لأراضيه في 2003.
واستغل العسكر هذا الخلاف المستمر مع إيران أحسن استغلال في طريقهم نحو استهداف الثورة المصرية والانقلاب عليها، فعندما قام الرئيس أحمدي نجاد بزيارة مصر في فبراير 2013 في أول زيارة لرئيس إيراني منذ قيام الجمهورية الإسلامية، عمل الإعلام على تصوير تلك الزيارة كأنها فتح شيعي لمصر، وكان هذا الهجوم بإيعاز من السعودية بشكل أساسي، وتجلى في ثنائية الهجوم من قبل الإعلام الموالي للدولة العميقة والتيار السلفي المنافس لجماعة الإخوان المسلمين، وزاد عليه الاستقبال الفاتر من قبل شيخ الأزهر للرئيس الإيراني، ونجح هذا المسلك في تفريغ الزيارة من أي مضمون فعلي قد ينجح مستقبلًا في كسر جمود العلاقات. ورغم خطاب الرئيس مرسي القاطع في طهران، لم ينجح هذا في ثني السعودية عن مساعيها في دعم الانقلاب العسكري، بل زاد عليه كونه خسر إيران ولم يكسب السعودية، وبعد الانقلاب والترحيب الإيراني وزيارة شخصيات دينية من المحسوبين على النظام العسكري التي كان من الواضح أن هدفها هو ضمان استمرارية الدعم السعودي لنظام السيسي عبر التلويح بورقة العلاقات مع طهران التي لم تتقدم فعليًا على أرض الواقع.
{ (يتبع)
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
12/07/2019
951