+ A
A -
حبشي رشدي كاتب مصري
القاسم المشترك بين حالتي الحراك الشعبي في الجزائر والسودان ليس فقط في تزامن هذا الحراك، ولا في كونه الرعيل الثاني مما سمي ربيع الشعوب العربية التي تنشد الطفو إلى حداثة تنموية سياسية واقتصادية واجتماعية مدرارة تحقق طموحات الشعوب العربية الثائرة، ولكن أيضا في تشابه أحوالهما، من حيث وجود دولة عميقة تعترض سبل التنوير والتحديث، ومن حيث الوجود المؤثر لثعبان الفساد الذي يسمم وجوه الحياة فيهما، ويحدث خللا بائنا في توزيع الثروة، مما شطر الحياة الاجتماعية إلى شطائر يبرز فيها أقلية تملك وتستثمر بتغول في مداخيل الفساد الفلكية وأغلبية يلدغها العوز والفقر الكريه.
ومما يلفت كذلك في وجوه التشابه بين البلدين الشقيقين، أن كلا منهما يرقد على ثروات طبيعية وأحفورية هائلة لم تستثمر بعد على نحو رشيد يضاعف العائدات منها مرات، كما أن كلا منهما تتوفر له خبرات وكفاءات تم تهميشها، مما جعل ملاذ هذه الكفاءات الهروب إلى الخارج، كما أن كلا من الشعبين يتطلع إلى تغيير أنساق الحكم ومنهجيته لصالح ديمقراطية حديثة مستنيرة تعبر عن إرادة الشعبين الشقيقين.
وبعض أهم السبل إلى هذه الغايات ليس بتناطح المؤسسة العسكرية في كلا البلدين مع الشعب الثائر، ولا بأي محاولات لسرقة الثورة، ولا بأي مفاوضات من تحت الطاولة أو تحت جنح الليل، بل بتآذر كل الأطراف على جسر الفجوة بينهما بمسؤولية وطنية تسجل في التاريخ بحروف من ذهب ونور، فالمؤسسات العسكرية دروع تصون الوطن ولا تبدد، وتحمي لا أن تسفك الدم، وإن طلب منها الشعب أن تؤوب إلى ثكناتها فلتفعل ذلك برضى، في أعقاب استباب الأمن وترسيخ الأمان، أما إن رأى الشعب أن من أبطالها من يصلح لتحقيق غايات الثورة فليكن ذلك وفقا لدستور يحسم ما لقيصر وما للشعب في الزمان والمهام والصلاحيات وأدوار المؤسسات، ومن خلال بوابة ديمقراطية شفافة ونزيهة يقول فيها كلمته، كما أنه على الشعبين الشقيقين وأد الفوضى في مهدها، ذلك لأن شيطان الفوضى يعود بالزمن إلى الوراء عقودا، وأحيانا إلى قرون، فالفوضى تغتال الخطو إلى الأمام وتعاند المستقبل، بينما التحلي بمسؤولية وطنية شفافة يقطع الطريق على كل من يحاول من الخارج دس أنفه في شؤون البلدين الداخلية، وإضرام حروب بالوكالة تأكل وتلتهم الأخضر واليابس، ولنا في وقائع وأطوار ثورات عربية من الرعيل الأول لما سمي بالربيع العربي عبرة ينبغي قراءتها بتمعن لبلورة استنتاجات لا تخطئها العيون. ورغم أن كل حراك من هذه التجارب يختلف عن غيره في أسباب النشوء والنتائج، إلا أن ما يتمتع به الحراكان الشعبيان في الجزائر والسودان، أنه سبقتهما تجارب شعبية عربية عدة تتفاوت فيما بينها من حيث المسارات والنتائج والمآلات،
إلا أن كلا منها يقدم لنا حفنة من المحاذير والاستنتجات ينبغي امتثالها، مثل أنه يتعين على الشعبين العربيين الثائرين في السودان والجزائر مراجعة الشعارات المرفوعة في تظاهرات تخلط لافتاتها الجنائي بالسياسي، كما يتعين تطهير صفوف المتظاهرين من انحرافات نتيجة لاندساس منتفعين وأحيانا مجرمين بين صفوف المتظاهرين.
بقلم: حبشي رشدي
copy short url   نسخ
12/07/2019
459