+ A
A -
هجوم جيش النظام السوري على المعقل الأخير للثوار يهدد بمواجهات مباشرة بين «الكبار» ربما تتجاوز حدود سوريا، ففي أقصى الشمال السوري تدق طبول الحرب والسياسة، وتنتظر إدلب الخضراء مصيرها. إنها معركة تختلف عن كل ما سبقها في سوريا، لأنها قد تضع تركيا وروسيا وإيران في مواجهات مباشرة، فيما يلعب نظام بشار الأسد دور المتفرج الذي ينتهز الفرص لاستعادة ما فقد من أرض منذ 2011.
أهالي إدلب وضيوفهم من النازحين كانوا يعرفون أن اتفاق التهدئة في سبتمبر 2018 كان علاجا مؤقتا، فبدأوا في الشهر ذاته في حفر الأنفاق.
ملاجئ تحت الأرض يسمونها «المغارة»، أنقذت حياة الكثيرين من قصف الغارات الجوية التي تشنها قاذفات سورية وروسية على إدلب، شمال غرب سوريا. من قرية كفرعين في ريف إدلب الجنوبي، رصد تقرير الوكالة الفرنسية حالة أسرة شيدت المغارة في حديقة المنزل، وبسببها نجا رب الأسرة عبد المنعم شيخ جاسم مع عائلته من الموت المحقّق، لأنهم كانوا داخل المغارة عندما دمّر برميل متفجر المنزل.
المغارات ليست لأوقات الغارة فقط، فقد أقام أهالي إدلب مستشفيات وأحيانا مدارس تحت الأرض، إضافة إلى الملاجئ قرب المنازل لحماية عائلاتهم من القصف.
الآن أصبحت «المغارات» ضرورية أكثر، مع اشتعال جحيم إدلب الذي طال انتظاره: قبل أسابيع كثَّفت الطائرات الروسية والأخرى التابعة لقوات نظام بشار الأسد من قصفها على محافظة إدلب ومناطق في ريف حماة، ما تسبَّب بوقوع عشرات الضحايا، وإجبار 130 ألف شخص على الفرار.
تصعيد من قوات النظام بغطاء جوي روسي يهدف إلى التقدم في المناطق التي تسيطر عليها فصائل معارضة للأسد شمال غربي سوريا. إنها الحملة الطويلة والبطيئة والعنيفة لإعادة سيطرة النظام السوري على آخر محافظة في البلاد لجأت إليها المعارضة.
في حالة تحقيق انتصار في إدلب، يتعزز موقف رئيس البلاد بشار الأسد وحليفتيه روسيا وإيران فيما يبدو نصراً مؤكداً في حرب أهلية استمرت 8 سنوات، لكن من المؤكد تقريباً أن تكلفته ستكون فادحة فيما يتعلق بالحياة والممتلكات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية. كيف تكون معركة إدلب مفتاح المعارضة الأخير لتغيير الوضع القائم.. أو ورقة النظام الأخيرة لإعادة سوريا إلى المربع صفر؟
وما هي سيناريوهات المعركة التي تجر إليها أطرافا إقليمية ودولية، في مواجهات مستترة ومكشوفة؟
الطريق إلى إدلب
نجح جيش النظام السوري تدريجيا في استعادة معظم المناطق التي فقدها أمام زحف الثوار والميليشيات المعارضة في 2011.
استعاد الأسد السيطرة على ضواحي دمشق من الجيش الحر في 2012.
وعلى أجزاء من سجن حلب في 2014.
دمشق ومحيطها للمرة الأولى منذ 6 سنوات 2018.
وفي 2018 رفرف علم النظام في درعا، مهد الثورة، بعد سبع سنوات من الحرب.
كما استعاد الغوطة الشرقية ومعظم معابر سوريا الحدودية.
وفي نهاية كل معركة، يرحل الذين يرفضون المصالحة مع النظام نحو إدلب، التي أصبحت آخر معاقل معارضي النظام في حرب السنوات الثماني.
و«المرتع الأخير للإرهابيين»، من وجهة نظر روسيا وإيران.
وكانت إدلب الملاذ للنازحين من كل معركة، والملجأ الأخير لأعداء النظام. يعيش هناك أكثر من 4 ملايين نسمة، أكثر من نصفهم نازحون من مناطق أخرى، فيما يبقى مئات الآلاف عالقين على الحدود مع تركيا بالقرب من بلدة أطمة.
ومن وقتها يعتبر الكثير من المحليين، حسب صحيفة New York Times الأميركية، أن هجوم الأسد على إدلب، مدعوماً بالقوة الجوية الروسية، مسألة وقت فحسب. ذلك أنَّ الأسد مصمم على استعادة السيطرة على جميع سوريا، ليحرز الانتصار بعد سنوات من الحرب الأهلية. وتشعر حليفته موسكو بالقلق من إيجاد المقاتلين الأجانب القادمين من البلدان المجاورة لها في آسيا الوسطى، موطئ قدم لهم في إدلب.
جيش النظام السوري بدأ يستعد لملاحقة الثوار والميليشيات المعارضة في أدلب ومحيطها لاستعادة الأرض التي بقيت خارج سيطرته.
وروسيا تستعد للمشاركة، رغبة منها في التخلص من أعدائها الذين يوجهون ضربات بين الحين والآخر لقاعدة حميميم الجوية جنوب شرق مدينة اللاذقية.
وتركيا تحاول منع الحرب على إدلب، لأنها تفتح الباب للمزيد من المعاناة والأزمات الإنسانية، وأفواج النازحين صوب حدودها.
اتفاق التهدئة فشل في تفادي المعركة
في لقطة نادرة أمام العدسات، تشابكت أيادي الرؤساء الثلاثة الذين جلسوا في تلك اللحظة يقررون مصير إدلب، في منتجع سوتشي الروسي الشهير.
وبعد اجتماعه بالرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني في 17 سبتمبر 2018، قال الرئيس فلاديمير بوتين إن القمة قررت إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح ما بين 15 و20 كيلومترا على طول خط التماس.
وبحسب ما صرح به بوتين، تلتزم تركيا بإخراج جميع الفصائل الجهادية، بما فيها هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقا، ونزع أسلحتها الثقيلة، وتراقب وحدات الشرطة الروسية والتركية المنطقة منزوعة السلاح. وأضاف بوتين أنهم سيعملون على فتح حركة المرور بين حلب واللاذقية، وبين حلب وحماه قبل نهاية هذا العام، وهو ما اقترحه أردوغان.
كان من المتوقع بحسب الروس أن تستأصل تركيا الجماعات المسلحة المتطرفة من إدلب في مقابل أن تقوم موسكو بإبعاد الأسد عن المحافظة. لكن بدلاً من ذلك، هيمنت هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة، على إدلب بشكل تدريجي، وطردت، الشهر الجاري، بشكل حاسم، منافسيها الأكثر اعتدالاً وأكدت سيطرتها الإدارية.
لكن الاتفاق لم يتم تطبيقه إلا جزئيا بسبب رفض فصائل مسلحة الانسحاب من المنطقة العازلة.
في بداية العام الحالي استدعى جيش النظام السوري جنود الاحتياط بشكل كبير ومفاجئ، إذ أكدت صحيفة The Times البريطانية، أن مئات الرجال في سوريا قد اعتقلوا وأجبروا على الانضمام للجيش النظامي، في حملة ضد كل من تجنبوا التجنيد الإلزامي أو الخدمة ضمن قوات الاحتياط.
وفي يناير الماضي قالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن الموقف في إدلب «يتدهور بسرعة». وعندما التقى الرئيسان بوتين وأردوغان وقتها في موسكو، شدد بوتين على أن البلدين يتعين عليهما اتخاذ «خطوات إضافية» لوقف الجماعات الإرهابية في إدلب.
في مارس 2019، وبشكل مفاجئ، شنَّ طيران النظام السوري، مدعوماً بنظيره الروسي غاراتٍ مكثفةً على مدينة إدلب، وقامت قوات النظام السوري مدعومة من طائرات روسية قامت بأعنف قصف لها على بلدات تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي سوريا.
نددت تركيا بالغارات، ووصفتها بتزايد الاستفزازات بهدف خرق الهدنة، محذرة من أن حملة الضربات التي تشنها روسيا والقوات الحكومية السورية ربما تتسبب في أزمة إنسانية كبرى.
لكن الجميع كان يراقب عقارب الساعات في العد التنازلي المحتوم، قبل بدء الهجوم الكبير.
حسابات ما قبل الهجوم
تخشى روسيا من الميليشيات المعارضة التي لاذت بإدلب، وسبق أن طالبت أنقرة بالقيام بدورها بشأن تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بينهما من أجل مواجهة «الإرهابيين» هناك، لأنهم «يخططون لشنِّ هجوم للسيطرة على منطقة خفض التصعيد»، واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بنود اتفاق سوتشي بشأن «إدلب لم تُنفذ بحذافيرها».
لكن روسيا تريد أيضا الحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا لإدارة الوضع في شمالي سوريا، حيث أدى انسحاب القوات الأميركية إلى الدخول في مفاوضات معقدة بين روسيا وتركيا والقوات الكردية ودمشق.
أخطر النتائج المحتملة
1 - احتمالات المواجهة
يتفاقم خطر المواجهة بين روسيا وتركيا كلما بادرت موسكو وطهران ودمشق باتخاذ إجراءات صارمة تجاه إدلب السورية.
ويعتقد الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف، أن تركيا قد اتَّخذت جميع التدابير لمنع هجوم محتمل من طرف قوات النظام وحلفائه. وتعد جميع الإجراءات التي اتخذتها تركيا متوقعة، لا سيما في ظل التهديدات التي تحوم حول مراكز المراقبة التركية الموجودة على طول محيط منطقة خفض التصعيد، وذلك للتصدي لأي هجوم مرتقب من قبل القوات الحكومية.
يضيف سيمينوف: وفي محاولة لتجنُّب المخاطر المحتملة التي قد تطال جنودها، قامت تركيا بتعزيز وحداتها في محافظة إدلب، الأمر الذي سيخلق عقبات إضافية في وجه الهجوم، وفي حال استخدمت تركيا القوات الجوية، سيمكنها ذلك من تحقيق الفوز».
روسيا لا ترغب في تصعيد الخلافات مع تركيا، الأمر الذي قد يدفعها لكبح جماح دمشق، وذلك وفقاً لما أشار إليه سيمينوف.
2 - كارثة إنسانية
إدلب هي الأكثر هشاشة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولهذا يجب أن تتكيف وكالات الإغاثة مرة أخرى مع الوضع للاستمرار في الوصول إلى الفئات الأكثر هشاشة من خلال أكثر الوسائل مباشرة، بما في ذلك المناطق التي تخضع الآن لسيطرة الحكومة«، كما قالت رايتشيل سايدر، المتحدثة الرسمية باسم مجلس اللاجئين النرويجي، وهي منظمة إغاثة تعمل في جميع أنحاء سوريا.
وحذرت الأمم المتحدة خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن في 17 مايو من خطر حصول «كارثة إنسانية» في إدلب في حال تواصلت أعمال العنف. كما قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن أكثر من 152 ألفاً فرُّوا من بيوتهم بين 29 أبريل والخامس من مايو الأمر الذي رفع عدد النازحين في الشمال الغربي إلى مثليه منذ فبراير.
ورصد المكتب مقتل العشرات وإصابة المئات، وتخريب 12 منشأة صحية وتدمير 10 مدارس على الأقل، وتوقف العملية التعليمية.وبلغ القصف بالبراميل المتفجرة أسوأ مستوياته في 15 شهراً على الأقل. والبراميل المتفجرة عبارة عن حاويات ممتلئة بالمتفجرات تسقطها طائرات الهليكوبتر، بحسب رويترز.
3 - العقاب الجماعي
ينظر معظم أطراف اللعبة إلى إدلب باعتبارها موطن التهديدات الإرهابية، حيث يوجد بها التنظيم الموالي للقاعدة في السابق هيئة تحرير الشام، والفصائل الموالية للقاعدة حالياً مثل تنظيم حراس الدين، الذي رفض اتفاق التهدئة في سوتشي. ومع ذلك، لا يزيد عدد هذه الجماعات على 1 % من إجمالي ثلاثة ملايين شخص يعيشون في شمال غربي سوريا.
لكن باقي السكان، أي نسبة 99.2 %، لا يستحقون المعاناة لمجرد وجود قلة مستهدفة تعيش وسطهم. علاوة على ذلك، فإن هيئة تحرير الشام وحلفاء القاعدة لا يحظون بشعبية كبيرة بين سكان منطقة إدلب، لذلك فإن استراتيجية العقاب الجماعي تضمن شيئاً واحداً فقط وهو توفير الدعم للمتطرفين لأنهم سيسعون إلى تقديم أنفسهم للشعب كأبطال وحماة لهم.
الحقيقة أنه بعد عقود من الزمن، يبدو أن روسيا لم تتعلم هذا الدرس من صراعها في أفغانستان.
4 - تركيا وروسيا
أحد العوامل وراء انفجار الأوضاع الراهنة كان تدهور العلاقات التركية - الروسية التي كانت حتى وقت قريب في طي الكتمان.
وعندما بدا أن الهجوم الروسي - السوري»المحدود«قد أخذ في التوسع، جاء الرد التركي بتوفير كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة لشركائها في جبهة التحرير الوطنية. كما أعادت تركيا نشر المئات من مقاتلي الجيش الوطني السوري من عفرين إلى الخطوط الأمامية في شمال حماة، والتي أثبت الكثير منها أهميته الحاسمة في تعزيز الخطوط الدفاعية وشن هجمات برية مضادة. من الصعب ألا نرى توافق هذه التحركات التركية مع روسيا وتصعيد سوريا الجوي الهائل. فمنذ ذلك الحين، فشلت كل محاولات التفاوض لوقف إطلاق النار.
إن انهيار العلاقات التركية - الروسية لا يهدد بتصعيد أكثر فوضوية في إدلب وتشريد مئات الآلاف من النازحين فحسب، بل إنه أيضاً يعرّض للخطر أي احتمالات طويلة الأجل لتحقيق الاستقرار السوري.
5 - المقاتلون الأجانب
تتركز الأنظار في الوقت الراهن على هؤلاء المقاتلين الأجانب في إدلب، وبات هناك شبه إجماع على أن أفضل سبيل لمواجهة خطر هؤلاء المقاتلين المتحدرين من مختلف أصقاع الكون مواجهتهم في ساحة المعركة والقضاء عليهم في سوريا، كما يقول موقع BBC العربي.
انضمت الغالبية العظمى من الجهاديين إلى صفوف فرع القاعدة في سوريا، أي جبهة النصرة، وبعض التنظيمات السلفية مثل حركة أحرار الشام، لكن وجودهم بات في الوقت الراهن حكراً على هيئة تحرير الشام بعد (اختفاء) تنظيم الدولة الإسلامية.
قد لا يجد المقاتلون العرب في صفوف هيئة تحرير الشام الكثير من الصعوبات في الاندماج في البيئة السورية بعد هذه السنوات في سوريا وزواج كثيرين منهم من سوريات، لكن هناك جماعات من شبه المستحيل أن يتمكن أفرادها من ذلك، مثل الإيغور والشيشان والأوزبك.
جاء المقاتلون الأيغور من إقليم شينجيانغ الصيني والذي يتعرض لحملة قمع شديدة من قبل السلطات الصينية، وأقاموا مجتمعا صغيرا خاصا بهم في قرى منطقة جسر الشغور في محافظة إدلب. وتشير التقديرات إلى أن عددهم يبلغ بضعة آلاف من المقاتلين الذين اكتسبوا خبرات قتالية جيدة في سوريا. وجلب العديد منهم عائلاتهم وأسسوا مجتمعا خاصا بهم في منطقة تواجدهم، ونادرا ما يختلطون بالمجتمع المحلي.
وتنظر الصين بعين القلق إلى وجود هؤلاء المقاتلين في سوريا وهي حريصة جدا على منع عودتهم إلى الصين بعد اكتسابهم خبرات قتالية عالية، قد تشكل مصدر خطر أمني كبير لبكين.
هناك أيضا مقاتلون من الأوزبك في صفوف مجموعات صغيرة قريبة من هيئة تحرير الشام، اكتسبوا مهاراتهم القتالية خلال قتالهم إلى جانب حركة طالبان أو تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان، قبل أن يتوجهوا إلى سوريا كامتداد لتنظيم القاعدة آنذاك.
وهناك كتيبة التوحيد والجهاد التي أسسها القيرغيزي سراج الدين مختاروف، 28 عاماً، والمعروف باسم أبو صلاح الأوزبكي. والكتيبة انضمت لجبهة النصرة عام 2015. وتقاتل الكتيبة في مناطق متفرقة من اللاذقية وإدلب وحماة ومعظم مقاتليها من الأوزبك والطاجيك وأفراد من إقليم تركستان غربي الصين.
أما كتيبة الإمام البخاري التي تسلط أشرطتها الدعائية الضوء على الجنود أطفال في صفوفها، فهي تضم عناصر من الأوزبك، وهي واحدة من المجموعات التي قدم عناصرها من آسيا الوسطى.
هناك أيضا مقاتلون من الشيشان، خاضوا معارك دامية ضد الجيش الروسي على مدار عقدين من الزمن، وبدأ وصولهم إلى سوريا منتصف 2012، وأسسوا كتيبة المجاهدين بقيادة عمر الشيشاني، المقاتل المعروف ذو الأصول الجورجية، والذي صعد نجمه عقب ذلك في صفوف مقاتلي الدولة الإسلامية، بعد انفصاله عن الكتيبة في 2013.
وقدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2017 عدد المقاتلين الروس في سوريا بنحو 4 آلاف مقاتل إلى جانب خمسة آلاف مقاتل من دول الاتحاد السوفياتي السابق.
6 - التغلغل الإيراني
إن الصمت في المنطقة يهدد قدرة الحكومة ليس فقط على التأثير على مستقبل سوريا، لكن أيضاً على حماية سمعتها ومصداقيتها. فالعديد من الحكومات في الشرق الأوسط يقضي سنوات في دعم قضية المعارضة السياسية والعسكرية السورية. لكن تلك السياسات تلاشت منذ أواخر عام 2016، فقد اقترح بعض المفكرين في المنطقة إعادة الانخراط مع النظام السوري بغرض منافسة النفوذ الإيراني، لكن السماح بمذبحة طويلة الأمد في شمال غربي سوريا من شأنه أن يفسد أي فرصة لتحقيق هذا الهدف. فبينما تقاتل روسيا ودمشق في إدلب، تواصل إيران بهدوء تنفيذ استراتيجيتها الجديدة للتكامل المحلي - في الميليشيات والسياسة المحلية والحكومة والتجارة والاقتصاد وفي المجال الثقافي.
مع تقديم إدلب وما يحدث بها كوسيلة للإلهاء ولفت الأنظار على المدى البعيد، لا يوجد شيء يعترض طريق إتمام طهران تحديها النهائي بالتغلغل العميق في جميع قطاعات الدولة والأمة السورية. ربما يمثل ذلك أعظم انتصار استراتيجي إيراني منذ عام 1979.
7 - سقوط التهدئة
تدرك تركيا جيداً أن الانهيار التام لكل الاتفاقات التي أبرمتها مع روسيا حول إدلب، سيعني بشكل حتمي أن البديل هو الحرب الإقليمية.
انهيار الاتفاقيات سيدفع روسيا بالضرورة إلى محاولة تحقيق أكبر نصر عسكري حتى لو كان عبر حملات قصف واسعة تشمل المنطقة بأكملها، وسيكون ثمنه دماء أكثر مما سقط منذ بداية الحملة الأخيرة بكثير.
لذلك تسعى تركيا مستفيدة من التوافق مع أميركا، التي أكدت على لسان مبعوثها الخاص إلى سوريا جيمس جيفري أن التنسيق بين واشنطن وأنقرة مستمر فيما يخص العملية السياسية والعودة إلى مسار جنيف، والذي يدّل على التوافق التام فيما يخص ملف إدلب، وتغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على حسابه الشخصي في توتير والتي طلب فيها وقف الحملة على إدلب.
لم يحدد ترامب طرفا بعينه يخاطبه بهذه التغريدة، التي تنتهي بفعل أمر: توقفوا!
فهل لدى أي طرف المصلحة أو الرغبة في وقف «القتل دون تمييز» على حد تعبير ترامب، على تراب إدلب الخضراء؟
copy short url   نسخ
29/06/2019
1633