+ A
A -
سليمان قبيلات كاتب أردني
..من الأقوال الشعبية «ما يفش الغل» ويعبر تعبيرا وافيا شافيا عن واقع الحال، فاللسان الشعبي العربي وأظنه الشامي خصوصا، صاغ جملة «جوزك وإن راد الله»، قولا يختزل إلى حد بعيد أو يقترب من معنى «زواج كاثوليكي» أي انه لا انفكاك منه حتى بالموت.. ارتأى العقل الجمعي في لحظة ان يصف أمرا يدبره أو يهيئه شخص أو قوة أو دولة أو عدو بـ«جوزك وإن راد الله»، أي ان الأمر واقع لا محالة، ولا مفر من الاستسلام، بالعامية، صاغ اللسان هذا التعبير الذي يعني«انا زوجك رضيت ام لم ترضي». يحمل هذا التعبير مدلولات عميقة تقول ان المرأة محض سقط متاع للذكر، وهذا الذكر الذي يختلف اخلافا جوهريا عن الرجل طوّع المفاهيم لا بل صاغها لتعكس هيمنته المطلقة في التاريخ الانساني، حتى صار التاريخ هو الذكر.
اغتصب الذكر التاريخ ولوى عنقه منذ الخليقة، طوّعه وألانَ عريكته، حتى انقاد له وصار انعكاسا له، كما طوّع اللغة وساقها موارد لا إنسانية، ثمّ ادّعى انها وعاء عادلا للانسانية، فيما هي ذكورية مغرقة. صار ما يندُّ عن الذكر تابوها مقدسا، لا يمكن المساس به، المرأة ذاتها اصبحت ذكورية المفهوم والدواخل، فصارت مع الزمن تقدس عبوديتها، بيد ان المجتمعات في تطورها شهدت انزياحات في المفاهيم وادراكها، بفعل عمليات تحوّل عميقة.
هذا ما لم تعرفه المجتمعات الابوية التي ما تزال تئن تحت وطأة الصراع غير المتكافئ بين الذكورية المغرقة وتلك التيارات التي تنشد تخليص اللسان والتاريخ من هذا الإغراق والتسطيح.
وكأنَّ اللسان العربي حين ابتدع مقولة «جوزك وان اراد الله» كان يستشرف انها ستكون له بالمرصاد، اذ يقول اهل الريف «كلمة عليها ملك»، أي انها تنبؤ أمسى حقيقة ماثلة للعيان. ها هم العرب اليوم يبلغون حالا، وتحديدا فلسطين، مع الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة، يقول ان مقولة «جوزك وإن راد الله» ماضية على قدم وساق. وما منبر المنامة الا امعان في انفاذ ما يوصف بـ«صفقة القرن». المعنى الدقيق للمقولة تؤكده الإدارة الأميركية واسرائيل صبح مساء: سنفرض الحل الذي نريد، وعليكم ان تكونوا شهود زور، وإلا..؟ّ!
السلطة الفلسطينية بكل غَثّها، لم ترُقْ لها «جوزك وان راد الله»، التي اشهرها الاسرائيلي والاميركي، بوجهها بعدما عرف انها تلكأت في الامتثال. وهذا ما لم يفكر بها اهل السلطة التي ولدت مشوّهة ومسخا، اوصل الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال إلى الاحتراب وسعت حثيثا لتحويله خانعا لارادة الاسرائيلي.
منعت السلطة، الفلسطينيين من التصدي للاحتلال، فصارت مخفرا متقدما للاسرائيلي الذي أوجدها اساسا ليخفض تكلفة احتلاله، لم تقتنع السلطة اساسا بانها صنيعة للمحتل، ففتحت السجون وصدقت انها دولة، يصل الاسرائيلي احيانا وهو يطارد المقاومين إلى نافذة اكبر مسؤول فلسطينبي. ترى ما الذي تحدث به نفسه هذا المسؤول وهو يرى ابناء شعبه يقمعون ويقتلون ويسجنون ويطاردون؟! ضاقت الارض بالشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وها هي نتائج فعل السلطة ووجودها اصلا، تقود إلى صفقة القرن، ما الذي ستفعله السلطة ومعها العرب حيال كارثة تدهمهم؟
طبعا، لا شيء ينتظر سوى الامتثال للسيد الاميركي، وربيبه الاسرائيلي، وما الخريطة المسخ التي نشرت لفلسطين إلى يريدها الاسرائيلي قبر يئد الحلم الفلسطيني، الا منتهى السخرية والامتهان للعرب حتى اقرب حلفاء واصدقاء أميركا، إن كان لها اصدقاء!
يقول المحتل وصهاينة أميركا: ليس هناك مسمى لفلسطين عبر التاريخ، فيصدقهم العرب، يقولان ايضا هلموا إلى منبر اقتصادي لنملأ معدة انسانكم الممتثل غذاء فيهرعون مستسلمين.
حال الهوان التي نعيش لا سابق لها أصلا، وهذا كلّه لأننا امتثلنا لمقولة
«جوزك وان راد الله» منذ ان وطئت رجل أول يهودي ارض فلسطين!
copy short url   نسخ
28/06/2019
703