+ A
A -
تحليل - د. العروسي العتروس
عاد منتخبنا الوطني لقواعده سالما بعد رحلة طويلة في كوبا أميركا رقص خلالها على انغام الكاريوكا وصال وجال في غابات الأمازون البرازيلية وخرج منها مظفرا بعدة مكاسب سيسجلها التاريخ في رصيد هذا الجيل الذي يسطر تاريخ الكرة القطرية بأسطر من ذهب. منتخبنا لم يحقق الفوز في مواجهاته مع عمالقة قارة أميركا، حيث تعادل مع بارجواي بنتيجة 2-2 وخسر من كولومبيا بهدف في الوقت القاتل وبهدفين أمام ميسي ومنتخب الأرجنتين، وكان قبل انطلاق البطولة قد خسر أمام منتخب البرازيل بهدفين دون رد..
حصيلة رقمية طيبة
الحصيلة الرقمية لمشاركة منتخبنا ضيف الشرف في عرس كرة القدم بأميركا اللاتينية والبرازيل موطن إبداع اللعبة الشعبية الأولى في العالم قد لا تبدو من الوهلة الأولى مشرقة الا أن الأمر يبدو أفضل من ذلك بكثير اذا ما اعتبرنا أن المشاركة الأولى في البطولة فاقت مكاسبها توقعاتنا تجاوزت طموحاتنا وتعدت امكانياتنا. وبعيدا عن الغلو في الإشادة بمشاركة منتخبنا الوطني في هذه البطولة القارية الكبيرة، فاننا لا ندعي أن منتخبنا تفوق على منتخب العالم أو أطاح بميسي وربعه وإنما تقر بوجود سلبيات ونقائص تم رصده في هذه المواجهات القوية وينبغي معالجتها.
رسالة منتخبنا للعالم
وقبل التطرق للجوانب السلبية التي بانت في أداء الأدعم، سوف نتطرق إلى الخطوط الكبرى للمكاسب التي تم تحقيقها وعلى رأسها الظهور المشرف الذي اكد مكانته كبطل للقارة الآسيوية وجه به رسالة جديدة لكرة القدم الآسيوية والقارية والعالمية أن تربعه على عرش آسيا قبل بضعة أشهر لم يكن بحكم الصدفة وانما عن جدارة وهذه الرسالة ستجعل المنتخبات التي تربعت على عرش كرة القدم الآسيوية تحترمه بالصورة التي تليق به وتهابه بالشكل الذي يخدم به مصالحه عندما يكون وجها لوجه معها وهي منتخبات اليابان وكوريا الجنوبية وإيران وغيرها من المنتخبات التي احتكرت مراكز المقدمة في التصنيف الآسيوي في السابق..
ثقافة الانتصارات عماد للفكر التنافسي
وأما الفكر التنافسي الذي كشف عنه الفريق من خلال مبارياته وتعامله مع المنافسين في البطولة فرادى وجماعات ولاعبين وفرق فهو يعكس ثقافة اللعب من اجل الفوز حيث أصبح الفريق يرفع التحدي أمام الكبار ويقبل المواجهة بل ويشعل النار في فتيلها، حيث شاهدنا يطيح بكبار المنتخبات الآسيوية قبل أشهر، ويجاري أعتى منتخبات العالم في هذه البطولة بدءا من البرازيل ومرورا بكولومبيا ووصولا إلى الأرجنتين ويتحدى لاعبوه كلا من نيمار وميسي وفالكاو وغيرهم دون اللجوء للغش ولا لإضاعة الوقت أو للخشونة والعنف، والاستدلال على ذلك يكفي أن نشير إلى عدم انهيار الفريق أمام أي من منافسيه على الرغم من تلقيه لهدفين مبكرين أمام الأرجنتين وقبلها أمام باراجواي كما أن الخسارة أمام كولومبيا لم يحدث إلا في الدقائق الأخيرة من زمن القاء.
تحمل الضغوط وقوة الشخصية
من المكاسب التي يمكن أن نتوقف عندها قدرة اللاعبين على تحمل الضغوط ليس عند مواجهة منتخبات قوية فحسب وانما أيضا عند المشاركة في بطولات تقام بنظام التجمع وتنطوي على كثير من الضغوط النفسية وعلى كثير والارهاق الناتج عن الاعداد والمباريات والمتأتي من تلك الضغوط، وهذا الجانب يعتبر عاملا من عوامل النجاح في البطولات خاصة عندما تنجح الفرق والمنتخبات في تحويل مخرجات الضغوط من عوامل تعيق الأداء إلى عوامل مساعدة على تقديم الأداء الجميل والقوب والجيد.
التعلم بالممارسة والاحتكاك
الاحتكاك مع منتخبات قوية تضم في صفوفها لاعبين من عالميين وتلعب بأساليب أداء مختلفة يعتبر من المكاسب الكبيرة التي تجعل منتخبنا يختبر قدراته أمامها ويكتشف خصائص أداء تلك الفرق خاصة وانه ينتمي لقارة متنوعة الشعوب والأعراق وتمارس في غربها كرة قدم مختلفة عن الكرة التي تمارس في شرقها.
المكاسب التي تحققت في هذه البطولة كشفت أيضا أن منتخبنا بات يحتاج للارتقاء درجة أخرى في مسيرة اعداده للاستحقاقات القادمة وذلك عبر التخطيط لخوض مواجهات مع منتخبات قوية جدا بهدف الاستمرار في التعلم منها مع ضرورة تنوع أساليب لعب تلك المنتخبات وخصائص أدائها وعدم إضاعة الوقت في خوض مباريات ودية تجريبية أمام منتخبات تحط رحالها بالدوحة دون أن تقدم لنا شيئا يذكر.
نقائص ينبغي معالجتها
وبعيدا عن المكاسب والتغني بها وان كان من حق لاعبينا علينا وأجهزتهم الادارية والطبية والفنية أن نتغني بها، فإننا نود الإشارة إلى 3 جوانب وجدنا فيها من نقائص ينبغي القضاء عليها قبل الاستحقاقات القادمة وهي التالية:
أولا: مشكلة البداية والنهاية حيث أن منتخبنا قد اظهر هشاشة واضحة في مباراتين من مبارياته الثلاث كلفته ضربة جزاء أمام باراجواي وهدفا أمام الأرجنتين وكلا الهدفين تلقاهما حرس المرمى الشيب قبل نهاية الدقيقة الخامسة من كل مباراة. واما فيما يتعلق بمشكلة النهاية فقد رصدنا تلقى منتخبنا هدفا أمام منتخب كولومبيا في الوقت القاتل كلفه خسارة المباراة وهدفا أمام ربع ميسي كان بمثابة تحصيل حاصل.
ثانيا: مشكلة الكرات العالية برزت كواحدة من أبرز السلبيات لعدم تواجد لاعبين كثر طوال القامة باستثناء عبد الكريم حسن وكريم بوضياف وخوخي بوعلام، حيث لاحظنا أن اغلب الكرات العالية الموجهة نجو مرمي الشيب تكون من نصيب لاعبي الفرق المنافسة علاوة على أن هدف منتخب كولومبيا الحاسم جاء من ضربة رأسية إلى جانب هدفين تكفل فيديو حكم الفار بإلغائهما مما يؤكد وجوب معالجة التعامل مع الكرات العالية.. ولعل الحل يكمن في تدريب حارس المرمى الشيب صاحب القامة الطويلة على الخروج من مرماه بشكل اكبر للتعامل مباشرة مع الكرات العالية عن طريق اللكم.
ثالثا: المبالغة في تراجع خط الدفاع لمناطقة بالخضوع لضغط المنافس كما حدث أمام منتخبي كولومبيا والأرجنتين الأمر الذي يترتب عنه السماح للفريق المنافس بالتصويب من خارج المنطقة إلى جانب ارتكاب مخالفات قريبة من منطقة الجزاء والمرمى.
قلوبنا وإعجابنا
ملك للأدعم
كل تلك النقائص يمكن التغلب عليها كما تم التغلب على غيرها، ولا يمكن بأي حال أن تعكر صفونا ولا تنقص من اعتزازنا بهذا الجيل الذي شرف كرة القدم القطرية وقدم نفسه سفيرا مميزا لمونديال قطر، ولعل ذلك من الأسباب التي جعلت هذا الجيل يسيطر على إعجابنا ويأسر قلوبنا بعد أن سهرنا أمام الشاشات العجيبة ننتظر بفارغ الصبر إطلالاته الجميلة وتفاعلنا معه كما لم نتفاعل مع أي غيره.
كل ما حققه هذا الجيل في القارة الآسيوية وقارة أميركا الجنوبية يطرح امامنا واجبا رد الجميل عبر حضور مبارياته سواء بالدولة أو خارج قواعدها ولزاما علينا مستقبلا أن نتواجد بأعداد كبيرة نملأ بها المدرجات لتشجيعه ومؤازرته ودعمه لأن دعمه بات علينا دينا ينبغي الإيفاء به.
copy short url   نسخ
25/06/2019
1042